الحوار مع الغرب... بعيداً عن الضوضاء


بقلم :سري سمور ـ جنين/فلسطين


كثرت في الآونة الأخيرة دعوات الحوار بين الحضارات وتحديداً بين العرب والغرب أو بين العالم الإسلامي ونظيره الغربي، دعوات اتخذت طابعاً فضفاضاً وغلفت بكلام جميل ومنمق،وحملت إلينا البشرى بأن الحوار المقصود كفيل بحل مشاكلنا وترتيب أوضاعنا لأن العلاقة بيننا وبين الآخر الغربي ستأخذ شكلاً جديداً وطابعاً مختلفاً عن الذي ساد لمئتي سنة.
وقبل التسرع والتصفيق لهذه الدعوات والانخراط في حيثياتها أو مهاجمتها والنظر إليها بمنظار الريبة ودمغها بختم المؤامرة وتمييع الهوية دعونا نلقي نظرة عامة على الفكرة ويظل الأمر مجرد وجهة نظر لا أكثر ولا أقل.

أي غرب ؟!

أعتقد أن هذا أول سؤال يجب أن يوجه لحاملي لواء الدعوة للحوار مع الغرب، عن أي غرب تتحدثون؟عن أمريكا وتحديداً الولايات المتحدة؟ أم عن أوروبا؟أم عن أمريكا وأوروبا؟ وإن كان الحديث عن أمريكا، فمع من سنتحاور؟مع البيت الأبيض؟ مع البنتاغون؟مع مجلس الشيوخ؟أم أنهم يتحدثون عن الحوار مع النخب الثقافية والمجتمع المدني؟وهذه بدورها تنقسم كالبكتيريا ،إننا أمام وضع معقد وسؤال ينبغي الإجابة عليه،فقد يجيب الداعون للحوار مع أمريكا على السؤال بتحديد جهة سيتحاورون معها داخل النسيج الأمريكي المعقد والمتشابك ،ولكن ما تأثير تلك الجهة على الواقع وما مدى جديتها في الحوار؟وإلى ماذا سيتوصل المتحاورون؟وأسئلة كثيرة ستتولد تباعاً. نعلم أن واشنطن شرعت بالتحاور مع بعض القوى السياسية والشعبية ،رفض مبدأ الحوار فكرة خرقاء ،وعدم معرفة جدوى الحوار وفيما إذا كانت واشنطن تناور وتريد إبرام صفقات مرحلية لأهدافها الاستراتيجية المعلومة أم أنها جادة لتغيير شكل العلاقة معنا ،هو شيء مريب أيضا.
وإن كان دعاة الحوار مع الغرب يقصدون أوروبا كونها توحدت تحت غطاء اليورو والشراكة والحدود المفتوحة وغير ذلك من الآليات التي نحسد الأوروبيين أو نغبطهم عليها فمع أي جسم أوروبي سنجري الحوار؟ومعروف أنه رغم الوحدة الأوروبية التي باتت كياناً دولياً له من القوة ما لا يستهان به _لا سيما في مجال الاقتصاد_ فإن لكل دولة رؤيتها للأمور المتعلقة بنا كعرب ومسلمين، بل إن داخل بعض الدول في القارة الأوروبية جدل حول العديد من المواقف والسياسيات المتخذة بحقنا ،شاهدنا مظاهرات في بريطانيا ضد توني بلير بسبب مشاركته لجورج بوش في الحرب على العراق ،بل علمنا باستطلاع للرأي يفيد أن نسبة كبيرة من الأوروبيين يعتقدون أن إسرائيل تشكل خطراً كبيراً على السلام العالمي،المظاهرات ونتائج الاستطلاعات تعطينا انطباعاً إيجابياً ولكن في المحصلة النهائية فلأوروبا بدولها المتنوعة مصالح وحسابات تدور في فلك خاص بها وليس بالضرورة أن يكون مريحاً لنا!

من منّا؟!

من منا سيتحاور مع الغرب بحيث يكون متحدثا بلساننا جميعا؟ بالنسبة للحكومات فإن فكرة طرحها للحوار مع من هم وراء البحار تبدو مضحكة لأن الأولى بها أن تتحاور مع شعوبها أولاً ،ثم إن كثيراً من الحكومات حسمت أمرها باتجاه أسلوب كسب الود وتجنب النقمة وليس الحوار،وآخر التقليعات التي ابتكرت تتمثل في نظرية "الطريق إلى قلب بوش يمر عبر شارون " ومن البديهيات أيضاً أن الحوار يكون بين ندين متكافئين ،فأين الندية بين حكوماتنا وبين حكومات الآخر؟
أما إذا كان المقصود هو حوار بين نخب ثقافية عربية وإسلامية ومؤسسات مجتمع مدنية وقوى شعبية وسياسية من جهة وما يناظرها لدى الغرب من جهة أخرى فالصورة ضبابية أيضاً ،لأن الكل يجمع على أن نخبنا الثقافية معزولة عن الشعوب أو مهمشة أو عاجزة ،ومؤسسات مجتمعنا المدني ضعيفة ومغلوبة على أمرها أو مزركشة بثقوب الارتزاق الذي يوفره من يفترض أننا سنتحاور معه ،فأي حوار بين المتسول والمتصدق سيجري ؟!

إجماعنا وإجماعهم

هل نحن مجمعون على فكرة الحوار؟أم أن هناك من لا يشترط مثل هكذا إجماع لاستحالته أو لصعوبته في الوضع الراهن؟ولتوسيع النظرة فلكل منا طريقته في الحوار وإيصال الرسائل التي يعتقد أنها تجلب له إنجازا،الملثمون الذين يجزون رؤوس الرهائن الغربيين لهم طريقتهم في الحوار،بغض النظر عن رأينا في هذه المسألة،إنهم يقولون :بلادنا محتلة ،أعراضنا تنتهك في سجونكم ،اتركونا وشأننا ،لا تأتوا إلى هنا...الخ.
ومن فجر القطارات في مدريد كانت لهم طريقتهم في الحوار،ولن أستغرب إذا ما خرجوا رافعين أصواتهم :نحن أرسلنا أثنار إلى بيته وجئنا بثاباتيرو الذي سحب قوات بلاده من العراق وعاد إلى الإجماع الأوروبي بخصوص احتلال العراق، وغير ذلك مما يمكنهم قوله، هناك من سيصرخ أن هؤلاء لا يمثلوننا وهم شريحة مرتدة ومارقة ومخربة وو...،ولكن في النهاية هؤلاء جزء من نسجينا الثقافي والاجتماعي والسياسي شئنا أم أبينا بل يمكنهم القول أن عملية واحدة من عملياتهم جاءت بنتائج أكثر من مئة مؤتمر عقد أو انعقد أو سيعقد،فماذا عسانا نقول؟!ليس لدينا إجماع حول طريقة الحوار وآلياته وما هي الأهداف التي ينبغي الوصول إليها ،هل الهدف هو تغيير السياسيات تجاهنا؟أم الهدف هو تعريف الآخر بنا؟أم تسجيل نقاط في مرمى الآخر الذي يمثل في وعي أكثرنا مستعمراً سابقاً وحالياً وناهباً للثروات وداعماً لأنظمة حكم فاسدة ومستبدة؟
وليس الحال لدى الغرب بأفضل مما لدينا فهل هناك إجماع لديهم بضرورة الجلوس معنا وفهم خصوصيتنا الثقافية ؟ألا ينظر الكثير من المتنفذين هناك إلينا على أننا مجرد همج وأسراب متناسقة من التخلف والتعصب والظلامية، فيما ينظر آخرون على أننا ساهمنا في الحضارة الإنسانية بما لا يمكن إنكاره؟ألا يرى البعض أن عليهم تقديم شيء للشعب الفلسطيني والبعض الآخر يرى أن لا شيء اسمه الشعب الفلسطيني؟!
لكن هناك إجماعا لديهم على الأقل على مستوى صناع القرار أن إسرائيل هي واحة الديمقراطية وعليهم واجب الحفاظ على تفوقها النوعي عسكرياً واقتصادياً وبناء السياسات من هذا المنطلق ولاشيء غير ذلك !
في مقابل ذلك ليس لدينا إجماع حول ما حسموا أمرهم تجاهه والذي يشكل تساؤلاً موجها للداعين للحوار وأعني إسرائيل،هناك من يري وجوب عقد صفقات سياسية واقتصادية وبناء علاقات ثقافية معها ،وهناك من لا يعرف ما الذي يريده بالضبط ،السلام أم الحرب،دوامة كبيرة نحياها ،ثم ندعو للحوار مع الغرب كحل لمشاكلنا!

اعترافات وحقائق

ينبغي لنا أن نعترف ومنا من اعترف علنا ومنا من لا يزال يكابر أو يتهرب؛إننا منذ عصر العباسيين لم نرفد الحضارة الإنسانية بشيء له قيمة،ونحن نعيش على ما يرميه لنا الآخر ،حتى الخيرات والثروات الطبيعية التي نفاخر بها لا نستطيع استغلالها والحفاظ عليها ،هم من استخرج النفط من صحرائنا القاحلة ،هم من يصدر لنا ملابسنا التي تستر عوراتنا و أقلامنا التي نكتب بها وأجهزة الكمبيوتر التي نشتمهم عبرها بعد وصلها بشبكة الانترنت ،هم من يصنع لنا سياراتنا التي نتـنقل بها ولا يتسع المجال لذكر ما في بيوتنا وشوارعنا ومدارسنا ومساجدنا منهم،فيما نحن في آخر سلم التخلف والجهل وفوق ذلك الغرور الذي لا معنى له مما يذكرني بتعجب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من الفقير المتكبر كما جاء في الأثر.
وفي نفس الوقت هم من احتل أرضنا وأذل شعوبنا ونهب ثرواتنا-ولو أننا لم نحسن استغلالها -وهم من نصبوا علينا حكاماً نمدحهم إن وصفناهم بالطغاة!
وهم من أقام إسرائيل وتسبب في تشريد شعب فلسطين وكوني من هذا الشعب لن أنسى "بريطانيا العظمى" التي دمغتني بدمغة لاجىء أنا وأبي وجدي من قبلي وحالياً طفلتي التي لم تبلغ عامها الثاني ،وهم من يريد أن يطبق رؤيته الثقافية والسياسية والاقتصادية من خلال العولمة علينا دون أخذ رأينا أو حتى مجرد التفكير بنا كبشر ،هم ينظرون إلينا كمخلوقات لم ترق إلى درجة الإنسانية ،هم يسعون حالياً نحو تقسيمنا فوق تقسيمهم السابق لنا ،الطائفية والعرقية كانت موجودة ولكنهم هم الذين يسعون إلى تغذيتها وتأجيج نيرانها التي يمكن أن تخمد لولاهم ،الحقد ديدنهم والطمع من شيمهم والتاريخ يشهد والواقع ينطق!
وبين هذا وذاك هناك من لا يرى إلا جزءاً من الصورة ويدعونا للانبطاح والاستسلام وإتباعهم شبراً بشبر وذراعاً بذراع ،وهناك من يكابر ويدافع عن المستبدين بحجة تصديهم للمشاريع الغربية ويسقط كل ما حل بنا على الآخر ولا يلقى أي ذرة من المسؤولية علينا حكاماً ومحكومين ،لنغدو في تخبط يحيل الحليم منا إلى حيران لا يلوي على شيء.
الحوار معهم مطلوب حتى لو اعتبرناهم أعداء ولكن الأولى أن يحاور بعضنا بعضاً ،وأن نعرف ما الذي نريده من الحوار الذي يروج له جزء منا ،هناك من يرى في الحوار أسلوباً لتمرير إعلان الاستسلام أو الموت الذي يرفضه الأطفال في شوارع المخيمات الفلسطينية!
إذا تحاورنا مع بعضنا سنصل ولو إلى درجة بسيطة من الندية المفترضة ،وان حررنا عقولنا من الشعارات الفارغة واستيقظنا من أحلام المجد الذي كان وهو ليس موجودا اليوم ،وإن قدمنا نموذجاً إيجابياً في أي شأن من شؤون الحياة ،فسنجد الآخر يلهث ويركض للجلوس والحوار معنا للتوصل إلى صيغة علاقة غير علاقة التابع والمتبوع التي تحكم تفكيره وتسير مخططاته وتضبط إيقاعات سياساته فهل يدعو دعاة الحوار مع الغرب إلى حوار بيننا من باب إنذار العشيرة الأقربين أو المجادلة بالتي هي أحسن أو من مبدأ تنظيف البيت قبل تكنيس الشارع؟!

ــــــــــــــــــ
سري سمور
جنين - فلسطين
عضو تجمع الأدباء والكتاب الفلسطينيين
أيار 2005م/ربيع الآخر 1426هـ
sari_sammour@yahoo.com