هل ستشكل القوى الإسلامية درعا لأبي مازن في
مواجهة مراكز القوى داخل حركة فتح والسلطة؟!!
بقلم : سري سمور

قد يبدو مثل هذا الطرح ضرباً من ضروب الخيال أو الكوميديا! لكننا إذا أردنا النظر إلى الوضع بتمعن وعمق نجد أن لهذا الطرح نوعاً من القبول لدى العقل والمنطق لأسباب عدة؛ صحيح أننا لا نستطيع أن نصدر الأحكام ونطرح التصورات ولم يمض على تسلم الرئيس أبو مازن لمهام منصبه كرئيس للسلطة إلا أياماً معدودة ، لكن ما حدث في هذه الأيام القلية يدفعنا إلى استقراء الواقع والمستقبل اللامنفصلين عن الماضي بتفاصيله المختلفة.

حوارات وقرارات

من السذاجة بل من المبالغة القول بأن اجتماعات أبو مازن مع القوى الفلسطينية لا سيما حماس والجهاد الإسلامي تقتصر فقط على بحث موضوع الهدنة والتهدئة ووقف إطلاق الصواريخ على المستوطنات الإسرائيلية، فالطرفان يعلنان أنهما تحدثا في جميع القضايا وصدرت عن قادة حماس والجهاد الإسلامي تصريحات تشير إلى طرح موضوع ترتيب البيت الفلسطيني وأن مسألة الهدنة كانت من ضمن الأمور التي تمت مناقشتها، ربما يكون هذا الموضوع(الهدنة) الأبرز ظهوراً في وسائل الإعلام لسبب بسيط هو أن إسرائيل تنظر إلى الأمن كمقدمة للعملية السياسية وليس العكس، ولا يختلف موقف الولايات المتحدة عن الموقف الإسرائيلي بهذا الشأن!

رافقت حوارات أبو مازن مع الفصائل بعض القرارات التي لا يمكن القول بأنها شكلية؛ عدم استقبال المهنئين ووقف التهاني في الصحف وهي إشارة ضمنية لوقف أسلوب النفاق السياسي والاجتماعي، وقف التعدي على الأراضي الحكومية، إصدار التعليمات للتلفزيون وفضائية فلسطين بعدم التركيز على شخص الرئيس أو بث أغاني تمجده، دراسة ملفات قضايا الإعدام المعلقة وبحثها مع المفتي، إحالة عدد من العسكريين إلى التقاعد...إلخ.

الفصائل المعارضة لاسيما الإسلامية كانت طوال الوقت تراقب عن كثب ما يجري في مؤسسات السلطة ورفضت بشدة مبدأ الإصلاح من خلال المشاركة طارحة وبشكل علني صريح مبدأ الإصلاح قبل مجرد الحديث عن المشاركة مع التركيز على ضرورة إشراكها في القرار السياسي الفلسطيني كونها تشكل أحد المكونات الرئيسية في الشارع الفلسطيني، أبو مازن أيضاً كان مراقباً للوضع لأنه لم يتولى أي منصب في السلطة إلا الفترة القصيرة التي تولى فيها رئاسة مجلس الوزراء.

الفصائل الفلسطينية الإسلامية انهمكت في مواجهة إسرائيل عسكرياً ولم يحظ موضوع الإصلاح إلا بجزء يسير من اهتمامها لأسباب عديدة منها الاستهداف الأمني الإسرائيلي لقياداتها وعناصرها ومؤسساتها.

الشارع الفلسطيني والمواطن العادي لم تغب عنه قضايا الفساد والترهل الإداري والأداء المؤسساتي للسلطة وبدأت التساؤلات والانتقادات والشائعات تغزو زوايا كل مجلس وكل بيت حتى في ظل العدوان الإسرائيلي الشرس.

أبو مازن والتجربة

يبدو أن الرئيس أبو مازن قد قرأ الواقع واستخلص العبر بنسبة لا بأس بها وهو ينطلق من المنطلقات التالية:-

1) لا يمكن أن يستفرد طرف ما بالقرار وحده وكون أبو مازن مهندسا لاتفاق أوسلو أعطاه هذه النتيجة؛ حماس والجهاد الإسلامي ومعظم اليساريين رفضوا أوسلو وعملوا على إسقاطه وكان يجب مشاورتهم ولو من باب ضمان عدم قيامهم بعمليات ضد إسرائيل وبقاء معارضتهم إعلامية وسياسية.

2) نموذج حميد كرزاي في أفغانستان أو إياد علاوي في العراق غير مقبول عند أي طرف فلسطيني وحين اطلعت على الكتيب الذي حرره أبو مازن كاستقالة حين كان رئيساً للوزراء لاحظت امتعاضه من فكرة "كرزاي فلسطين" ولن يقبل بهذا الدور وهو بحواراته يقول ضمناً لتل أبيب وواشنطن:" إما هذا الطريق (الحوار) أو الاستقالة" وأن على إسرائيل أن تنزع من تفكيرها التعامل مع السلطة على أنها جيش لحد من الناحية الأمنية أو حكومة علاوي أوكرزاي، و إلا فلتنتظر إسرائيل وضعا ًأمنيا ًشبيها بما يجري في العراق تكتوي بنيرانه وتتحمل تداعياته.

3) أبو مازن يدرك أنه في عصر الديجيتال والانترنت وغيرها من وسائل الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات لايمكن فرض "ستار حديدي " على الناس لاسيما أن معظم الفلسطينيين هم من فئة الشباب التي تستخدم هذه الوسائل وإن حرية الرأي والتعبير ضرورة وأن تعبير الفلسطيني "داخل البيت" عن أفكاره خير من خارجه!

4) أسلوب العمل التنظيمي أو ما عرف "بدولة الثورة" لم يعد نافعاً ويجر مشاكل كثيرة ومتاعب عديدة وأن الحل يكمن في تقوية المؤسسة وروح عمل الفريق، لا تقوية الشخوص والفردية والجهوية على حساب التكنوقراط.

5) هناك شعور واسع بالظلم الاجتماعي لدى معظم شرائح شعبنا الفلسطيني وهناك فئة تستفرد بالثروة والجاه والمنصب وبعيدة تماما عن هم الناس، أبو مازن يدرك أن إزالة هذا الشعور أمر ضروري وسيتطلب منه خوض مواجهة مع البعض!

مراكز القوى

جهوية، عشائرية، مواقع تنظيمية، شخصيات متنفذة وقوية، هذه مفردات سادت وتحكمت في طريقة عمل السلطة خلال السنوات المنصرمة، وهي عقبات تعترض طريق الرئيس الجديد في تقوية العمل المؤسساتي ونبذ ظاهرة مراكز القوى والحسابات الفئوية المختلفة.

الطريق ليست سهلة، فأبو مازن كان مرشح حركة فتح التي تعاني من مشاكل عديدة منها الحسابات العشائرية والمصالح الشخصية ولا يستطيع تغيير الواقع بجرة قلم،قد يُخرج مؤتمر فتح المنوي عقده بعد أشهر حركة فتح من عدة أزمات ويضبط أوضاعها لكن التراكمات الموروثة منذ زمن وجود منظمة التحرير في الخارج أو مرحلة تأسيس السلطة ومسيرتها منذ أكثر من عشر سنوات تجعل الأوضاع معقدة وحساسة ما لم يحدث تغيير جذري في طريقة العمل وفي الأشخاص الذين أداروا الدفة طوال هذه المدة ،لاسيما أن هناك أشخاص ينحصر محبوهم ومؤيدوهم بمن ينتفع أو يريد أن ينتفع منهم ،ان اتخاذ الرئيس أبو مازن لقرارات جذرية لضبط أداء السلطة سيدفع ببعض أو بكثير من المتنفذين للتكتل في مواجهته وهو هنا بحاجة إلى دعم ،ولماذا لا توفر حماس والجهاد الإسلامي مثل هذا الدعم؟!

حماس وأبو مازن

لم يعتذر أبو مازن عن معارضته الشديدة لإطلاق الصواريخ ولم يتراجع عن نهجه السلمي في التعامل مع إسرائيل وغير ذلك من المواقف السياسية التي تثير معارضة وانتقادات حادة لدى حماس والجهاد الإسلامي.

لكن حماس والجهاد الإسلامي لم تحصرا عملهما وطرحهما للشارع بمجرد إطلاق الصواريخ؛ فحماس دعت الجماهير للتسجيل في الانتخابات وحققت نجاحا ملموسا في انتخابات البلديات في مناطق عدة، وحماس لا تريد أن تفقد شعبيتها التي اكتسبتها من خلال تضحيات جسيمة وحرب ضروس مع الاحتلال وهي تدرك أن الشارع الفلسطيني له هموم كثيرة كالفقر والبطالة وسوء توزيع الأموال وضعف الأداء الإداري والفلتان الأمني لذا فإنها والجهاد الإسلامي لا تتردد في الموافقة على الهدنة مع إسرائيل في مقابل وقف العدوان وإطلاق سراح الأسرى حيث أن موضوع الأسرى يشغل كل بيت فلسطيني وإن حدوث اختراق في هذا الملف سيشكل رافعة لمرحلة جديدة.

من هنا يمكن أن تكون حماس والجهاد الإسلامي درعاً قوياً وصلباً لأبي مازن في طريقه نحو بناء وإنجاز عمل مؤسسي ومهني والتخلص من أسلوب "المخترة" "والمحاصصة" و"الجهوية والعشائرية " التي طبعت أسلوب عمل السلطة،إن حماس يمكن أن تقف مع أبو مازن في حالة معالجته للقضايا العالقة والمشاكل المعقدة التي سببتها طريقة العمل في السنوات الماضية وهي بذلك لن تفقد شيئاً من شعبيتها لأن كل الفلسطينيين يتطلعون إلى القضاء على الفساد ووقف المحسوبيات وتغيير من أساؤوا استغلال مراكزهم ،وهي تعلن أنها ستشارك في بناء وتطوير المجتمع ولها من الكوادر المؤهلة ما يعطيها فرص نجاح كبيرة،ولكن كل ذلك يخضع لطريقة تصرف إسرائيل.

أبو مازن وموقف إسرائيل

"الإرهاب الفلسطيني" ، "وقف العنف الفلسطيني"، "القضاء على البنى التحتية للإرهاب" ،لقد ملت الآذان سماع هذه الجمل والعبارات التي يطلقها جميع قادة تل أبيب ابتداء بشارون وليس انتهاءً بموفاز وشالوم بالتوافق والتزامن مع استمرار العدوان الممنهج وبناء الجدار ،اللهم إلا تغييرات طفيفة في خطاب إسرائيل الإعلامي في الحديث عن إمكانية "وقف الاغتيالات ضد من لا يشكلون قنابل موقوته" أو القبول "بإدخال تسهيلات على حياة الفلسطينيين في المناطق الهادئة" و"تقليص حجم عمليات الجيش" وغير ذلك من عبارات التحايل وأساليب العلاقات العامة التي ترافقها بل تسبقها جنازير الدبابات وأزيز الطائرات و زخات الرصاص على البيوت والمدارس والمزارع!

أبو مازن رمى الكرة في الملعب الإسرائيلي وإذا لم تستجب إسرائيل من خلال خطوات عملية أولها البدء الفوري بإطلاق سراح الأسرى لاسيما ذوي الأحكام العالية والنساء فإن الأمور ستعود إلى المربع الدموي ولن يبقى مجال للحديث عن أي عملية سياسية وعلى الصعيد الداخلي لن يستطيع أبو مازن إحداث تغييرات حقيقة في ظل استمرار الأوضاع الأمنية على حالها السيء وعندها ستقل احتمالات وقوف حماس والجهاد الإسلامي معه وسيضطر إما لإبقاء حال السلطة على ما هو عليه مع بعض التغييرات "الديكورية" أو لخوض معركة داخلية مع مراكز القوى لا نستطيع الآن الحكم على نتائجها!

سري سمور/جنين/فلسطين
sari_sammour@yahoo.com