المعركة الفلسطينية ضد الجدار طويلة الأمد
بقلم : سري القدوة *

سـري القـدوة

في واحد من أهم قراراتها التاريخية علي مدي 58 عاما مضت ، أعلنت محكمة العدل الدولية عدم شرعية الجدار العازل ، الذي تبنيه حكومة الاحتلال الاسرائيلي ، وطالبت بإزالته ، ودفع تعويضات لأبناء الشعب الفلسطيني ، الذين تعرضت أراضيهم للمصادرة بسبب هذا الجدار ، ودعت كل دول العالم إلي العمل ضده ، والامتناع عن تقديم أي عون لـ "إسرائيل" في إقامته ، ورفضت المحكمة ادعاء حكومة الاحتلال أن الجدار يأتي من منطلق الدفاع الذاتي .
وقال قضاة المحكمة في لاهاي ، إنهم اقتنعوا بأن الجدار يفرض أمرا واقعا علي الأرض ، ويستبق ترسيم الحدود المستقبلية بين "إسرائيل" والدولة الفلسطينية المنتظرة .
إن هذا القرار هو حكم تاريخي ، ومن هذا المنطلق رحبت القيادة الفلسطينية بالقرار واعتبرته انتصارا كبيرا ، للدبلوماسية الفلسطينية ، بالرغم من التنكر الدولي للحقوق الفلسطينية وعدم الإعتراف بأحقية الشعب الفلسطيني وممارستة السيادة علي أراضية .
وفي ظل هذا كله رفضت "إسرائيل" الحكم ، متحديه قرارات الشرعية الدولية وقالت وعلي لسان لابيد وزير العدل الإسرائيلي أنها ستتجاهل القرار ،وأنها لا تلتزم بأي رأي غير الذي أصدرته "المحكمة العليا الإسرائيلية" ، واتهم لابيد المحكمة ـ ضمنيا ـ بالانحياز ضد "إسرائيل" ، حيث قال إن معظم قضاتها من الأوروبيين ، الذين يتبنون موقفا معاديا للسياسات الإسرائيلية .
إن استخلاص النتائج القانونية لخمسة عشر قاضيا دوليا باستثناء القاضي الأمريكي والتوصل إلي نتيجة مفادها إن الجدار بمساره ونظامه الحالي ينتهك بشكل خطير عددا من حقوق الفلسطينيين المقيمين في الأراضي التي تحتلها "إسرائيل" ، إنما يعبر عن أهمية القرار الدولي لمحكمة لاهاي الذي جاء بعنوان الآثار القانونية المترتبة علي بناء الجدار العازل في الأراضي الفلسطينية المحتلة كما يعبر عن وحدة القضاة في صياغتهم لقرار المحكمة باستثناء القاضي الأمريكي الذي تجاهل صفته القانونية في المحكمة وعبر عن موقف إدارة الرئيس بوش المنحاز إلي "إسرائيل" ، وكان ممثلا لشارون وحكومتة في محكمة لاهاي التي توصلت إلي أن هذه الانتهاكات الإسرائيلية لا يمكن تبريرها بالضرورات العسكرية أو متطلبات الأمن القومي أو النظام العام .
لقد باتت السياسة الإسرائيلية سياسة مدمرة وأن استمرار "إسرائيل" ببناء الجدار ينتهك حرية الشعب الفلسطيني في الحركة ، وحريتهم في البحث عن عمل ، والحصول علي الخدمات التعليمية والصحية ، وبالتالي يعتبر خرقا لكل المعاهدات الدولية التي صدرت عن مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة ويشكل خرقا للالتزامات الإسرائيلية أمام القانون الدولي ، وقانون حقوق الإنسان ، والتي تضربها "إسرائيل" بعرض الحائط في ظل دعم أمريكي وانحياز إدارة الرئيس بوش لحكومة شارون القمعية .
لقد بات من المهم أن تتدخل الأمم المتحدة لتبحث الخطوات الواجب اتخاذها لإنهاء الوضع غير المحتمل الناتج عن بناء الجدار ، وأخذ رأي المحكمة بعين الاعتبار .
وفي ظل استمرار "إسرائيل" بانتهاكاتها لحقوق الإنسان الفلسطيني وفي ظل الصمت العربي الغير محتمل علي ممارسات "إسرائيل" بات من المهم أن تدرك الأنظمة العربية إن الجدار لم يكن على الإطلاق «أمنياً»، بل هو جدار سياسي يهدف إلى رسم الحدود المستقبلية للدولة الفلسطينية .
وبات من الواضح إن بناء الجدار لم يكن حدث عادي بتاريخ "الصراع العربي الإسرائيلي" بل كان الحدث الأبشع ضمن ممارسات الاحتلال منذ 1967 ، وأننا نستهجن ونستغرب من الموقف العربي الرسمي الذي بات يتنكر لحقوق الشعب الفلسطيني وحتى أسلوب التظاهر والاستنكار للممارسات الإحتلال لم تعد موجودة في الشارع العربي.
إن المعركة الفلسطينية ضد الجدار هي معركة طويل الأمد، وليست مرهونة بأي قرار لا لمحكمة "محلية إسرائيلية" أو دولية، إنها معركة ذات تحرك جماعي وشعبي تتطلب حشد الجهود الفلسطينية والعربية والدولية لهدم هذا الجدار الذي يتلوى كالثعبان في باطن الأراضي الفلسطينية.

* سري القدوة
رئيس تحرير جريدة الصباح

13:27 10.07.04