قوة السلام وسلام القوة
بقلم : سـري القـدوة *

سـري القـدوة

لم تكن الانتخابات الفلسطينية حالة عابرة في تاريخ الشعب الفلسطيني ولم يكن يوم التاسع من يناير 2005 هو باليوم الاعتيادي .. فهذا هو يوم الانتقال الطبيعي والسلس على حد تعبير البعض "للقيادة الفلسطينية" حيث حققت فتح رؤيتها وكان انتصارها مفاجئا للجميع حيث لم يتوقع هؤلاء المارقين والعابرين والمتفرجين أن تحصد حركة فتح تلك النتيجة والتي راهنت العديد من الأحزاب منها الإسلامية ومنها اليسارية ومنها تحالفهما المشبوه على النيل من إرادة شعبنا وعزيمته معتقدين أن فتح قد انهزمت وهي في طريقها إلى الهلاك .. لم يتصور أحد بأن فتح ستنهض من جديد وتنطلق بشموخ وكبرياء لتحمل رسالة خالدة لزعيم خالد لن ينساه شعبنا عبر التاريخ وليقف الرئيس المناضل محمود عباس وليعلن أمام الجميع أن فتح انتصرت وحققت أعظم انتصار في تاريخها النضالي لتحافظ على الأمانة وتحمي شعبنا وتستمر حتى تحقيق طموح شعبنا وإقامة دولتنا الفلسطينية المستقلة ..

هكذا كانت فتح التي انطلقت من رحم معاناة شعبنا والتي تستمر اليوم بنفس روح الانطلاقة والديمومة والعطاء لتشكل أروع ثورة عرفها التاريخ المعاصر..

إن القادم بالتأكيد سيكون لشعب فلسطين وللدولة الفلسطينية المستقلة والقدس عاصمتها شاء من شاء وأبى من أبى لأن هذا هو قدر شعبنا وهذا الشعب المناضل يدرك حقيقة ما يريد وهو قادر على صنع ملحمة الانتصار وتحقيق أماني الزعيم الخالد ياسر عرفات وكل شهدائنا الأبرار الذين استشهدوا لينيروا الطريق للأجيال القادمة ..

لم يكن يتصور البعض أن آلية انتقال السلطات الفلسطينية ستكون آلية ناجحة ليتعلم منها الجميع وليشهد خبراء الانتخابات في العالم بنزاهة وصدق الانتخابات الفلسطينية ولنسجل أهم محطة من محطات تاريخنا النضالي ونضيف هذا الإنجاز الهام والرائع في مفهوم الحكم والعمل السياسي الدولي ولتصبح التجربة الفلسطينية نموذجاً للأنظمة العربية والبلدان في العالم .. فهذا الشعب يمارس حقه بكل حرية ويستمر في أداء رسالته من أجل العيش بكرامة واستقلال .. هذا الشعب يتطلع إلى قيام دولته المستقلة ويتطلع اليوم إلى صياغة مشروع السلام ضمن رؤية هادفة إلى تحقيق التوازن والعدالة في كيفية التعامل مع الشعب الفلسطيني وأن أول تلك الاستحقاقات التي تفرضها المتغيرات بالمنطقة أن تعترف حكومة الاحتلال كونها محتلة للمناطق الفلسطينية وأن تعترف بالجرائم والأعمال الإرهابية التي تمارسها العصابات الإسرائيلية بحق أبناء الشعب الفلسطيني من هدم للمنازل ومصادرة الأراضي واستخدام سياسة القتل المتعمد بحق أبناء هذا الشعب الذي يطالب بحريته واستقلاله..

واليوم يثبت الشعب الفلسطيني أنه شعب يستحق الحياة ويستحق أن يكون ويعيش في حرية ويمارس السيادة المطلقة على أراضيه ..

وبعد كل ما قدمه الشعب الفلسطيني من تضحيات ومواقف .. وبعد كل ما قدمه الشعب الفلسطيني من تنازلات سياسية مؤلمة على شعبنا وقيادتنا وثوابتنا الوطنية بات من المهم التحرك باتجاه فضح السياسة الإسرائيلية الاحتلالية الشارونية الرافضة لتطبيق خطة خارطة الطريق وتنفيذ محتواها بدقة حيث بذلك تضرب عملية السلام مجدداً بعرض الحائط .. وتعمل على وضع العراقيل والشروط المسبقة لفرض الوصاية على الشعب الفلسطيني لإذلاله وتركيعه وفرض سلام القوة والهيمنة والغطرسة غير معترفة بحرية هذا الشعب وحقوقه وحق تقرير مصيره..

إن السلام بات بالمنطقة هو السلام الفلسطيني .. سلام من طرف واحد حيث قتل شارون كل فرص السلام وباجتياحاته المتكررة للمدن الفلسطينية واتباعه لسياسة هدم المنازل وإغلاق المعابر يوجه ضربة قوية للسلام الفلسطيني وبالتالي أصبحت من الآن فصاعداً مهمة شارون الأولى هي إسقاط الرئيس الفلسطيني محمود عباس وإعداد الخطط ورصد الموازنات للبدء في هجوم إسرائيلي كاسح لمحاصرة الرئيس الفلسطيني وفرض الرقابة على تحركاته استمراراً لنفس النهج الذي اتبعته حكومة شارون مع الزعيم الخالد ياسر عرفات ..

لقد أصبحت هذه السياسة الإسرائيلية هي سياسة محروقة ومكشوفة ولا يمكن لها أن تكون أو تستمر في ظل هذا العطاء الفلسطيني وخدمة لقضايا السلام والحرية والإنسانية التي تحملها الدولة الفلسطينية ومعاني قيامها حيث يسود الواقع أمن وهدوء وتنطلق عملية التنمية والرخاء ليس في المنطقة فحسب بل في العالم أجمع ..

والآن وبعد تلك المقدمات وما آلت إليه نتائج الانتخابات الفلسطينية بات من المهم أن تتحرك قيادة البيت الأبيض تجاه عملية السلام بدلاً من اللهث وراء سراب شارون ومنطقه الأعمى الذي يعزز الإرهاب ويكرس العداء المستمر بين الشعوب .

إن لغة الشعب الفلسطيني اليوم هي لغة السلام كانت وستبقى لأن هذا الشعب يريد العيش بحرية ويريد دولته المستقلة وهذا الشعب الذي يطالب بحريته ودولته هو شعب يريد الحياة وهو شعب يستحق أن يكون ومن يطالب بحقه وبحريته هو بالتأكيد يريد السلام ولا يقدم على أي عمل إرهابي أو يعتدي على حقوق الغير وهذا ما أثبته الشعب الفلسطيني وما حملته رسالة حركة فتح من خلال استمرارها في قيادة مجمل العمل الوطني على الساحة الفلسطينية .. فالرئيس محمود عباس اليوم هو رئيس الشعب الفلسطيني المنتخب والمتحدث باسمه وهو يحمل غصن الزيتون ويمد يده لصناعة سلام عادل يكفل إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ضمن الثوابت الوطنية الفلسطينية وهذا ما كرسته الديمقراطية الفلسطينية والتي نفتخر بها أمام الأمم ..

إن المرحلة القادمة هي مرحلة العمل الجاد والبناء للمؤسسات الفلسطينية وما يجب أن يدركه الجميع قبل فوات الأوان وقبل أن يجرف شارون بدباباته التي تقتحم المدن الفلسطينية فرصة السلام التي بدأت تتبلور بعد عرس الديمقراطية الفلسطيني..

إن المرحلة اليوم تتطلب مزيداً من تكريس الوحدة الوطنية الفلسطينية في إطار منظمة التحرير الفلسطينية واستمرار النضال من أجل إنهاء ودحر الاحتلال الإسرائيلي والاستيطان عن كل الأراضي الفلسطينية وتحقيق الحقوق الوطنية لشعبنا وفي مقدمتها حق العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف..

إن التجربة الديمقراطية التي خاضها شعبنا بإرادة حرة وتحديه لقوات الاحتلال وعصابات شارون والمجرم موفاز وإجراءاته الاحتلالية القمعية تثبت أن شعبنا الفلسطيني العظيم متمسك بخياراته الوطنية وحريته واستقلاله كما تؤكد تجربتنا الديمقراطية والانتخابات أن شعبنا تواق للحرية والتي قدم من خلالها نموذجاً حضارياً في التعددية واحترام حرية الرأي والممارسة الديمقراطية..

إن التماسك الداخلي ووحدة الصف الفلسطيني ومواصلة الحوار الوطني هي السبيل لوحدة الموقف الوطني على أرضية مشتركة وبرنامج عمل موحد يتم التوافق عليه بما يعزز الصمود الفلسطيني ويواجه العدوان وسياسة الاستيطان والتعجرف الشاروني وإجراءات الاحتلال وفي مقدمتها جدار الفصل العنصري..

* سري القدوة : المحرر المسؤول رئيس تحرير جريدة الصباح - فلسطين
ALSBAH.NET
تاريخ النشر : 15.01.2005