التغيير والإصلاح شعار فلسطيني أولاً
بقلم : سـري القـدوة *

سـري القـدوة

لم تكن الضجة والتناقض الإعلامي تجاه الحكومة الفلسطينية وتشكيلها بمعزل عن الواقع الفلسطيني الذي بات يشهد مساحة ممتدة على امتداد الوجع وحالة الإرباك السياسي الذي تعيشه الساحة الفلسطينية بعد سلسلة المواقف التي اتخذتها حكومة الاحتلال "الإسرائيلي" حيث باتت سياسة المراوغة والكذب هي السمة الأساسية لهؤلاء الساسة الذين تمرسوا وتدربوا في مدرسة شارون والتي لا تذهب بعيداً عن الحقد الأعمى والعمل الإجرامي واستكمالاً للمخطط "الإسرائيلي" الذي يستهدف تواجدنا الفلسطيني وفرض حالة من العزلة على المجتمع الفلسطيني وتشويه صورته وصولاً إلى فرض الوصايا والتبعية والاحتواء على هذا الشعب الذي يطالب بحقوقه واستقلاله ودولته الفلسطينية ..

لقد أكدت كل المواثيق والأعراف الدولية والقرارات الصادرة عن المجتمع الدولي حقيقة راسخة للجميع وهي التمسك بإقامة الدولة الفلسطينية ضمن حدود عام 1967 والترابط الجغرافي بين أجزاء هذا الوطن الفلسطيني وعودة اللاجئين ضمن القرارات والمواثيق الدولية الخاصة بعودتهم إلى أراضيهم بما يكفل لهم العيش بحرية ومساواة وعدالة.. وهذا الأمر باتت حكومة الاحتلال تتجاهله تماماً بل تتجاهل أي دعوة إلى البدء الفوري بتنفيذ رؤية خارطة الطريق أو حتى التدخل الدولي من أي دولة دون الولايات المتحدة حيث تتعامل ضمن سياسة منحازة إلى "إسرائيل" بشكل كامل وواضح.

إن الاحتلال بات يفاوض الاحتلال وشارون كل يوم يضع رؤية جديدة وفي صباح اليوم التالي يعيد تغيير موقفه ويبدأ بمفاوضات جديدة مع حكومته وكأن المجتمع الفلسطيني بمعزل عن المنطقة أو كأن الحكومة "الإسرائيلية" هي الوصية على هذا الشعب..

إن الشعب الفلسطيني هو صاحب الحق في تقرير مصيره واختيار حقوقه ضمن الثوابت الفلسطينية والحقوق التاريخية لهذا الشعب الذي يناضل من أجل استرداد ما اغتصبته "إسرائيل" .

إن الشعب الفلسطيني يريد العيش بحرية ومساواة مطلقة ويريد إقامة دولته بسلام وأمن واستقرار بعيداً عن لغة الإرهاب , وهذا ما أكدته رؤية الرئيس محمود عباس حيث طرح الهدنة وعمل ضمن الثوابت الفلسطينية مثبتاً للجميع أن الشعب الفلسطيني هو شعب يريد السلام ويريد العيش بحرية بعيداً عن لغة الإرهاب والقمع والاحتلال..

إن وحدة اللغة الفلسطينية والخطاب السياسي الفلسطيني اليوم تعكس وتكرس منهجية واضحة للعمل ضمن الثوابت الأساسية التي لا يمكن لأي أحد أن يتنازل عنها والتي من خلالها تم الإعلان عن الالتزام بالهدنة من طرف واحد على أساس البدء في تنفيذ استحقاقات خارطة الطريق , ولكن ما زالت حكومة الاحتلال بتركيبتها السياسية المتطرفة غير قادرة على تفهم استحقاقات السلام , فشارون ينادي للانسحاب من غزة لتعزيز بناء الاستيطان في الضفة وكأن من حقه الاستمرار في بناء المستوطنات في محافظات الضفة ناسفاً بذلك اتفاقيات أوسلو وغير مستعد للتفاوض حول الوضع النهائي , فارضاً الوصايا والتبعية على الشعب الفلسطيني وقيادته..

إن تلك الخلاصة لما يجري سياسياً يعكس مرارة الواقع على صعيد بلورة الجسم الفلسطيني وتقوية المؤسسات الفلسطينية والتي بدورها ستتحمل المسؤولية الكاملة تجاه التصدي للاحتلال ومؤسساته التي تنال من شعبنا وتسعى لتدمير البنية الأساسية الفلسطينية..

إن التهدئة والالتزام بالهدنة باتت أمر مهم على صعيد الانتفاضة ولكن لا بد من التحرك فلسطينياً لرفض الاحتلال من خلال إطلاق المسيرات الجماهيرية الشاملة وإعلان التضامن مع هذا الشعب الذي يرفض الاحتلال والانطلاق لتنظيم مسيرات عارمة في جميع أنحاء المدن الفلسطينية لتكريس برنامج انتفاضي سياسي يكفل الاستمرار في مواجهة سياسة الاحتلال بشكل سلمي يعبر عن رغبة الشعب الفلسطيني العظيم بالاستقلال وإقامة الدولة الفلسطينية.

وهذا يتطلب بالطبع تشكيل حكومة فلسطينية قادرة على تحمل المسؤولية لتكريس الوحدة الوطنية والإسلامية في مواجهة آلة الحرب الاحتلالية.

إن الحكومة الفلسطينية والمناخ الذي تولد به لا بد وأن يعكس رؤية نحو الإصلاح والتغيير الحقيقي في النهج والممارسة بعيداً عن المصالح الشخصية ومن أجل المصلحة والأهداف الوطنية لشعبنا..

إن التعبير عن رفضنا للاحتلال يدفعنا إلى الانطلاق لبناء المؤسسات الفلسطينية والإعلان عن برنامج انتفاضي سلمي شامل يكرس الوحدة الوطنية والإسلامية لمواجهة مخططات شارون..

إن الصوت الفلسطيني لا بد وأن يكون عالياً خفاقاً في كبرى العواصم العربية والعالمية في نهضة تضامنية شاملة لمواجهة مخططات الاحتلال والاستيطان وأيضاً لا بد من التوجه نحو الإصلاح والتغيير بلغة الوحدة والحرص على المستقبل مستفيدين من تجارب الماضي نابذين السلبيات ومعززين العمل الإيجابي البناء الهادف إلى تكريس وحدة عمل المؤسسات الفلسطينية في فرض السيادة والقانون وتطبيق النظام واحترام حقوق الإنسان والتعامل ضمن مبدأ الاحترام المتبادل والمساواة بين الجميع.

إن بناء المؤسسات والإنسان الفلسطيني بهذه المرحلة يعكس خيار المواجهة الحتمي لسياسة الاحتلال ويعزز من وحدة الشعب الفلسطيني في مواجهة سياسات شارون وحكومته والتي تمارس كل يوم أشكالاً جديدة من العدوان على شعبنا وحقوقنا وبدعم وانحياز أمريكي مطلق ودون وجه حق.. ولهذا بات من المهم فلسطينياً أن نعمل بروح الفريق الواحد والقيادة الجماعية المسئولة عن هذا الشعب لتكريس المصلحة الوطنية ضمن رؤية القيادة الفلسطينية والتي تعبر عن المصلحة الوطنية العليا لشعبنا..

إن المهمة التاريخية المناطة بالقيادة الفلسطينية تتطلب أن يقف الجميع لتحمل المسؤولية وإبداء الجاهزية الكاملة وتعزيز روح العمل المشترك والوحدة في اتجاه حماية الوطن وإنجازات ثورتنا على قاعدة تمسكنا بثوابتنا الوطنية الأساسية والتي لا تنازل عنها , والتصدي للاحتلال وسياسته التي تهدف إلى تركيع وإذلال شعبنا وفرض سلام القوة والبطش والعنجهية..

وتبقى أهمية الإصلاح والتغيير هي حاجة فلسطينية أولاً وأخيراً ولا بد من وضع الرجل المناسب في المكان المناسب , ووفقاً للمصلحة الوطنية العليا وبدون مصالح شخصية وذاتية وبعيداً عن الحسابات الضيقة , لتنطلق جهود الإصلاح ضمن ورشة الإصلاح والتغيير الكبرى في جميع الاتجاهات والمجالات للتأكيد على أهمية بناء الوطن والمؤسسات والإنسان الفلسطيني للحفاظ على وجودنا الوطني ووحدة شعبنا ومواقفنا ورؤيتنا لمواجهة الاحتلال ومخطط حكومة شارون التصفوي الاستسلامي الذي يهدف للنيل من مؤسساتنا وحقوقنا ودولتنا وأرضنا وكل صوت فلسطيني حي يقول لا للاحتلال.

* سري القدوة : المحرر المسؤول رئيس تحرير جريدة الصباح - فلسطين
ALSBAH.NET
تاريخ النشر : 20.02.2005