العالم بعيون "إسرائيلية"
بقلم : سـري القـدوة *

سـري القـدوة

لم تكن محاولات الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، العديدة لإرضاء "إسرائيل" وحديثه عن «التحالف الاستراتيجي معها في مكافحة الإرهاب الدولي»، في مستوي الحدث نفسه ولم تستوعب بعد حكومة "إسرائيل" أنها ليس وحدها بالعالم فهؤلاء القادة ووزراء شارون وحكومته لا يرون العالم إلا بعيون أمريكية , فقد هاجم مسؤولون إسرائيليون كبار الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين وقالوا أن مواقفه تتسم بالازدواجية والخداع «فهو يتكلم عن السلام وعن مكافحة الإرهاب، لكنه في الوقت نفسه يصر على تزويد أشرس أعداء "إسرائيل" مثل سورية وإيران وهما أكبر دولتين داعمتين للإرهاب في العالم بالأسلحة المتطورة، وبخبرات التسلح النووي» وجاء هذا الهجوم، على لسان مسؤولين كبار في المؤسسة العسكرية الأمنية وتعمد ت "إسرائيل" أطلاق هذة الحرب علي بوتين ، قبل أن ينهي زيارته إلى "إسرائيل" و رام الله .

ولم يكن هذا الهجوم مجرد نفاق إسرائيلي للقيادة الأميركية التي تعارض أي دور جاد لروسيا في الصراع في الشرق الأوسط فحسب ، بل هو تعبير واضح عن رغبة الإسرائيليين بان ينظروا للعالم فقط بعيون أمريكية , وتعبير واضح عن رفضهم للسلام الحقيقي الذي تنادي به اغلب بلدان العالم اليوم .

ولم يكن الموقف الروسي تجاه القضية الفلسطينية بمعزل عن الموقف الدولي حيث عبر الرئيس بوتين عن دعمه للشعب الفلسطيني ومناصرته للسلام أسوة بدول العالم التي تنادي بتحقيق السلام العادل والشامل في المنطقة بعيدا عن لغة الإرهاب والقمع والقتل التي تمارسها "إسرائيل" بحق الشعب الفلسطيني .

أن "إسرائيل" اعتبرت دعوة الرئيس بوتين لإقامة مؤتمر دولي للسلام دعوة استفزازية وتدخل بغير حق في مسار ما يرسمة شارون ويهندسه بالبيت الأبيض وقيام الرئيس بوتين بزيارة ضريح الزعيم الخالد ياسر عرفات ووضع أكليل علي ضريحه أضجعت هذة الخطوة أحلام شارون الذي اعتقد واهما بان السلام أصبح في قبضة يده بعيدا عن رغبة العالم والمواقف الدولية الداعمة للشعب العربي الفلسطيني الذي يعمل وعمل من اجل سلام حقيقي مبني على أساس إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.

ولذلك كانت منطلقات الحملة الإعلامية الإسرائيلية ضد الرئيس بوتين حيث اعتبرت "إسرائيل" أن بوتين اتخذ مواقف حازمة ضد السياسة الإسرائيلية خلال زيارته، وأنها بعيدة عن أصول الدبلوماسية. فعندما طلب رئيس الوزراء الإسرائيلي، أرييل شارون، من الرئيس الروسي أن يضغط على الرئيس عباس أبو مازن كي يكافح الإرهاب بحزم ويكف عن سياسة المسايرة والتهادن مع التنظيمات المسلحة الفلسطينية، أجابه بأنه يرى أن أبو مازن أحدث ثورة في السياسة الفلسطينية باتجاه النهج السلمي وان الضغوط الإسرائيلية عليه تغذي عناصر التطرف والإرهاب ودعاه إلى القيام بخطوات ملموسة وجادة لمساعدة أبو مازن في مهماته الشاقة وإزالة العقبات من طريقه بواسطة تخفيف معاناة الفلسطيني البسيط في حياته اليومية.

كما أن "إسرائيل" ، لم تشعر بالارتياح من الطلب الروسي الملح، خلال هذه الزيارة، بأن تكف عن استقبال اللصوص وقادة المافيا الروسية الذين هربوا بالمئات إلى الدولة العبرية وهم يحملون مليارات الدولارات من العملات الصعبة التي تحتاجها روسيا لإنعاش اقتصادها. ورفض شارون بشدة التعاطي مع هذا الموضوع وقال إن "إسرائيل" لا تسلم أحدا من سكانها إلى دولة أجنبية، وأقصى ما توافق عليه هو الاتفاق مع روسيا على حماية المواطنين من شركات الإفلاس وتبييض الأموال، ولكن فقط في إطار القانون الإسرائيلي وعبر المحاكم الإسرائيلية، علما بأن بوتين بدا وكأنه جاء إلى "إسرائيل" بالأساس من أجل تغيير الموقف من هذا الموضوع.

وكان الرئيس الروسي قد ثمن ، الإصلاح الشامل في السلطة الوطنية مؤكداً تأييده لنهج الرئيس عباس نحو تطوير الديمقراطية وبناء آفاق للتعددية السياسية، وذلك من خلال هذا الطريق، وأنه يمكن وضع قاعدة قوية لدولة فلسطينية وخلق الأدوات اللازمة لكل التحديات التي تواجه المجتمع الفلسطيني .

وأعرب الرئيس الروسي عن تأييده لمساعي الرئيس عباس في إصلاح الجهاز الأمني، مبيناً أنه خلال المباحثات التي أجراها معه أكد من جديد أن العلاقات الفلسطينية الروسية قائمة على قاعدة متينة من الصداقة والتفاهم، وأنه مقتنع بأن لهذه العلاقات آفاق جيدة.

وقال إن بلاده ستواصل تقديم المساعدات والدعم للسلطة الفلسطينية في إجراء التغيرات وبناء الدولة واستقرارها وأن القيادة الروسية تدرس حالياً خيارات مشاركة روسيا في عملية إعمار الاقتصاد الفلسطيني بما فيه قطاع غزة وأنها على استعداد لتقديم المساعدة في هذا المجال. وأكد استعداده لتطوير العلاقات الثنائية بين الجانبين ومساندة الشعب الفلسطيني في حقوقه الشرعية، والسير قدما نحو التسوية في الشرق الأوسط.

أعلن الرئيس بوتين بأن روسيا ستقدم للقيادة الفلسطينية دعماً فنياً بتوريد معدات وإعداد الكوادر، وستزود القيادة الفلسطينية بمروحيات ومواد اتصال، وسوف تستقبل موسكو الرجال الملتحقين في الشرطة لإعدادهم وتدريبهم.

وأعرب الرئيس الروسي، إلى انه يتطلع إلى أن يكون هذا التعاون مفتوحاً كل الانفتاح، وان لا يثير قلق الإسرائيليين، ونحن سنحل هذه المشاكل سوياً بالإجماع.

موضحاً، أن روسيا ستعمل في هذه المنطقة الحساسة من أجل ضمان مصالحها مع دولها، مشدداً على أن روسيا مهتمة باستقرار الأوضاع في الشرق الأوسط، وفي باقي مناطق العالم.

وعبر بوتين عن رضاه لمباحثاته في المنطقة، مشيراً إلى أن روسيا ستواصل هذا العمل والاتصالات الثنائية وفي إطار اللجنة الرباعية.

وقال الرئيس الروسي: لقد أنجزنا عملاً كبيراً مع أصدقائنا المصريين والفلسطينيين، حيث اتفقنا على عدة مشاريع مشتركة في المجال الاقتصادي.

لقد كشفت جولة الرئيس بوتين في المنطقة ، والتفاعلات وردود الفعل التي رافقتها عن حقيقتين متناقضتين : الأولى التفهم الدولي المتزايد ، لضرورة وضع حد للصراع العربي الإسرائيلي يقوم على تنفيذ قرارات الشرعية الدولية ، والثانية ؛ الهروب الإسرائيلي من كل جهد جاد في هذا الاتجاه ومحاربته ونعته بأوصاف تثير الحساسية كمساعد لدعم الإرهاب أو معادٍ للسامية.

وعلى الرغم من افتقار الموقف الإسرائيلي هذا إلى أي مبررات منطقية ، إلا أن الدعم الأمريكي الأعمى واللامحدود ، يزيد الموقف الإسرائيلي تمادياً في العربدة والتنكر لكل معايير الشرعية الدولية ، وهو ما يبدو متعارضاً إلى أبعد الحدود مع التطور الحقيقي للتاريخ الإنساني .

* سري القدوة : المحرر المسؤول رئيس تحرير جريدة الصباح - فلسطين
للمراسلة : alsbah@alsbah.net
ALSBAH.NET
تاريخ النشر : 31.05.2005