"المبادرة الوطنية الفلسطينية"
أحدث حركات النضال الفلسطيني

بقلم : د. طـلال الشـريف

       
لا تكاد صحيفة ورقية أو الكترونية تخلو من خبر أو تصريح, تعليق أو مقال أو فعالية تتحدث عن "المبادرة الوطنية" أحدث أجسام النضال الوطني الفلسطيني مما يؤكد حضور وانتشار هذه الحركة السياسية الاجتماعية وتغلغلها بين الفلسطينيين كأداة نضالية نوعية جاذبة للجمهور الفلسطيني للمرحلة الآنية والمستقبلية بتبنيها الكفاح الشعبي والاجتماعي وإشراك المجتمع الدولي في حماية حقوقنا وأرضنا وشعبنا عبر لجان التضامن الدولية الواسعة.

فبعد أكثر من أربعين عام علي انطلاق حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح". وبعد أقل من عشرين عام علي انطلاق حركة المقاومة الإسلامية "حماس", تواجه الحركة النضالية الفلسطينية بمجملها مأزقاً مزدوجاً قد أربك المسيرة الفلسطينية نحو تحقيق الأهداف الوطنية الفلسطينية. وهذا المأزق المزدوج نتج عن فشل حركة فتح في إدارة الشعب الفلسطيني منذ قيام السلطة الوطنية بعد اتفاقية أوسلو مما أدي إلي التراجع الكبير عن الاستراتيجية التفاوضية الفلسطينية الفاعلة, و دون التصدي الشعبي المتواصل لمراكمة الإنجازات التي رسمتها السياسة الفتحاوية لقيام الدولة وتحرير الأرض. وبدل المرحلة المؤقتة الموعودة وقيام الدولة المستقلة, امتدت القصة بالتأجيل إلي هذا العام 2005م, ومنها إلي 2008م دون ضمانات وهي في علم الغيب, وحسب نوايا الرئيس الاميركي القابلة للتغيير ناهيك عن التآكل الذي أضعف حركة فتح علي خلفية إدارتها للشعب الفلسطيني وما واكبه من فساد وفلتان في كل مناحي الحياة الفلسطينية وعلي ذلك اتهمنا بالفساد.

وفي المقابل وعلي سلبيات اتفاق أوسلو والأداء السيئ للسلطة وحزبها تولدت حركة حماس في الانتفاضة السلمية الأولي وتصلب عودها وبانطلاق انتفاضة الأقصى أصبحت أقوي حركات المقاومة الفلسطينية وشكلت جسماً نضالياً أيديولوجياًً نوعياً سرعان ما اصطدم بالنظام العالمي الجديد التي تقوده الولايات المتحدة التي استنفرت بكل قوة ضد التيارات الإسلامية واتهمتها بالإرهاب ومنها حماس والتفت أوروبا حول الموقف الاميريكي وانصاع الجميع لإغلاق آفاق تطور القضية الفلسطينية في وجود تيارات إسلامية وغير إسلامية

وبالتالي تعرض الشعب الفلسطيني بمجمله إلي الضغوطات التي توافق معها العرب ودول الإقليم كافة لمنع وصول حماس إلي القرار الفلسطيني وهكذا دخل الشعب الفلسطيني تحت طائلة استحقاقات ما بعد تفجيرات نيويورك وواشنطن ليضاف إلي معوقات القضية الفلسطينية معوقاً ضخمم آخر حرم الشعب الفلسطيني من قوي المقاومة وفعلها حسب التحليلات السياسية المتعددة وفي هذه الأثناء كان لابد أن يتصدى قادة ومفكرين وطنيين كبار أمثال: د.حيدر عبد الشافي ود.مصطفي البرغوثي والمرحوم ادوارد سعيد والمهندس إبراهيم الدقاق للنهوض بالشعب الفلسطيني في ظل الحصار علي احدي الأدوات النضالية"المقاومة المسلحة" وكذلك لرفع تهمة الإرهاب عن كاهل شعبنا, وليقدموا بديلاً للإدارة الفاسدة والمترهلة.

ومن هنا كانت انطلاقة المبادرة الوطنية الفلسطينية للحفاظ علي الثوابت الوطنية والإصلاح والتضامن الدولي المعترف به والمشارك في كفاحنا الشعبي, وقدمت المبادرة الوطنية نموذجا للعمل المثابر بالمشاركة الجماهيرية ودعم لجان التضامن الدولية في قضية الجدار التي انتصر فيها شعبنا دون تصدير تهم الفساد والإرهاب.

وهكذا تقود المبادرة الوطنية بهذا النهج المرحلة القادمة التي يلتف حولها شعبنا كما تبين من بروز شعبية المبادرة الوطنية وقائدها مصطفي البرغوثي في انتخابات الرئاسة.

وواصلت المبادرة الوطنية طريقها بالكفاح الشعبي ضد الجدار والحواجز والتصدي في المحافل الدولية للرواية الإسرائيلية للإحداث واستجاب لها الكثيرون من أبناء شعبنا وانضموا لصفوفها وبرنامجها الذي يتمسك بالثوابت الفلسطينية والإصلاح واستنهاض طاقات كل أبناء شعبنا وتبني قضايا المجموعات المهمشة ووقفت ولا تزال مع العمال والمدرسين والأطباء المعطلين وكل فئات المجتمع التي تحتاج للتضامن وإبراز قضاياها المهملة أو المعطلة.

والتف المجتمع الفلسطيني حول أمينها العام د.مصطفي البرغوثي في انتخابات الرئاسة كنموذج جديد يشعر الناس بالأمل وذو حضور شعبي ودولي ومنحوه أصواتهم التي فاقت 20%. وان قال القائلون إن الأصوات هذه ليست للمبادرة بل لمصطفي البرغوثي فهذا رصيد كبير إذا ماضيف إليه 7- 8% هي في مجموعها 28% لتصبح رصيداً للمبادرة في المحصلة حيث أن مصطفي البرغوثي هو في قلب المبادرة, والمبادرة هو هذا الجسم الذي يحمل في داخله مصطفي البرغوثي والكثير من القادة الشبان المعروفين, وغير المعروفين لمن لا يريد أن يعرف. وكفي أن يعرف الكثيرين بأن شعبية المبادرة الوطنية في قطاع غزة هي ضعف شعبيتها في الضفة الغربية ليتيقنوا أن هناك قادة كبار في قطاع غزة مثل د.حيدر عبد الشافي, وقادة آخرين وان لم يكونوا بشهرة مصطفي البرغوثي.

إن المؤشرات حول ارتفاع أسهم المبادرة الوطنية في العقلية الفلسطينية, وفي الشارع الفلسطيني كجسم نضالي جديد يحمل الأمل للمستقبل هي في ازدياد موازي لحجم الهجوم علي الجديد دائماً من الذين بدأو يحسون بالعجز عن توليد الأمل لهذا الشعب العظيم. ولا تزال المبادرة الوطنية تراكم العضويات والإنجازات للدرجة التي لو عرفها المحبطون فان ذلك سيزيد هم إحباطا.

إن المبادرة الوطنية لا تطرح نفسها بديلاً لأحد وهي علي علاقة جيدة مع كل الوطنيين والإسلاميين ولكنها ضرورة وحاجة أفرزها شعبنا في طريقه إلي الاستقلال, ولذلك يلتف حولها وسيحتفل بها غداً جسماً نضالياً ينافس علي القيادة والسلطة لتطبيق برنامجها الوطني والإصلاحي والاجتماعي.

ومنذ البدء أصبحت المبادرة الوطنية نواة ومحوراً لتيار ديمقراطي عريض يوشك علي الإقلاع في الانتخابات التشريعية القادمة لإحداث التوازن الحقيقي في المجتمع الفلسطيني متمسكة بالثوابت الوطنية وعلي رأسها حق العودة وتحرير الأسري, ومتبنيةً التعددية المجتمعية والسياسية ومشجعة للتنوع والاختلاف الثقافي والفكري والسياسي ومدافعة عن المهمشين والمحتاجين ورافضة التفرد والإقصاء والاستئصال.

إن ما سوف يعرفه الجمهور الفلسطيني لاحقاً هو أن متوسط أعمار أعضائها هو 23 عاماً وأن كل قادتها هم من الشبان, ولا يوجد بها حرس قديم أو جديد بل هي حركة فتية تتمتع بالحيوية والاقتدار لأنها الجسم النضالي الأحدث علي الساحة الفلسطينية والأكثر تفاعلاً مع المستقبل والتي تضم في ثناياها الطاقات والقدرات العلمية والفنية والثقافية والمهنية الأقدر علي حمل الأعباء الوطنية والاجتماعية للمستقبل.


د. طـلال الشـريف
13 / 6 / 2005