ردا على نداء.. أيها السوريون: احذروا الأفعى الإخوانية!!

يوسف العمايرة - الخليل


        قبل أيام، وصلني على البريد الإلكتروني نداء موجه بعنوان "أيها السوريون: احذروا الأفعى الإخوانية!!". صاحب هذا الخطاب هو الكاتب السوري سامر عبد الحميد، الذي يعرّف نفسه في إحدى كتاباته بأنه أضاع ربع عقله في النضال من أجل (الاشتراكية)، وأضاع ربعه الثاني في سجون (الاشتراكية) حيث اعتقل عشر سنوات في السجون السورية، أما ثالث أرباع عقله، فقد ضاع "وهو يبحث عن عمل يقيه وعائلته غائلة الجوع، بعد أن خرج من سجون (الوحدة والحرية والاشتراكية) نصف مجنون رسمي، ومجردا من كافة حقوقه المدنية والإنسانية".
من خلال كتاباته، لا يتورع هذا السامر المناضل عن ذم الحكام، والانتقاص من شأن المثقفين، والحط من قيمة المحكومين، بل لقد تعدى ذلك ليتطاول على الذات الإلهية حيث ينتظر سقوطها -تعالى الله علوا كبيرا- كما يسقط البشر، وظهر ذلك صريحا في ندائه الموجه إلى أبناء الشعب السوري.
رأيت في نداء سامر عبد الحميد، تجني على جماعة الإخوان المسلمين، قلبا للحقائق، واستباقا لأحداث لم تقع، وتشويها لصفحة الإخوان التي أراها من أنصع الصفحات البيضاء في وطننا العربي. وما يعاب على الجماعة مواجهتها مع الحكومات العربية في الحقب الماضية، إنما هو مردود؛ فقد فرضت الحكومات قوتها وجبروتها ضد الجماعة في الأقطار التي نشطت فيها، واستفزت قياداتها وأعضائها لدرجة دفعت هؤلاء إلى التخلي عن التزامهم ضبط النفس، ولا أدل على ذلك من تذكير عبد الحميد بليلة 27 حزيران / يونيو 1980، عندما اقتحمت سرايا رفعت الأسد سجن تدمر فقتلت حوالي ألف معتقل وهم داخل زنازين سجنهم. وما حدث هنا، حدث هناك في أرض الكنانة وبلاد محيط البحر المتوسط، مما دفع الإخوان إلى تبني خيار الدفاع عن الذات والجماعة المستهدفة قتلا أو سجنا.
لم ألحظ ردا من قبل قادة الإخوان ومفكريهم على هذا النداء، ولعل ديدنهم في مواجهة الاتهامات الباطلة، قد سرت على سامر عبد الحميد هذه المرة أيضا، فقادة الجماعة في مثل هذا الموقف يربأون بأنفسهم عن الرد من باب أن قلة الرد على اللئام رد، واستمساكا بالموقف الكريم: "اللهم اهدِ قومي فإنهم لا يعلمون". وبما أن بريدي الالكتروني قد اتسع لمساحة هذا البيان، فمن الإنصاف إعطائه حقه كما أراه من وجهة نظر نصف عمياء، ذلك أنني لست مرشدا أو مفكرا إخوانيا، ولكن يجب أن يكون لكلمة الحق أعوانا.
محور نداء سامر عبد الحميد، كان إلقاء أحدهم بيان المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين في سوريا علي صدر الدين البيانوني أمام منتدى جمال الأتاسي، في ظل تلاقي الهيئات والمنظمات الحزبية السورية المنادية بإجراء إصلاحات دستورية على مستوى القطر، حيث شجب عبد الحميد إجراء أي تنسيق أو تعاون بين القوى السياسية الوطنية مع جماعة الإخوان. ثم انكب بلسان يقطر حقدا على الجماعة واصفا إياها بـ"الأفعى مهما بدلت جلدها .. تظل أفعى!"، في إشارة إلى تكذيب التوجهات الإخوانية المنادية بالإصلاح والديمقراطية، معيبا في الوقت ذاته على القوى الوطنية السورية وضع يدها بيد الإخوان للمطالبة بالمشاركة السياسية، متهما تلك القوى أيضا بأنها تروج "لثقافة الجلد والرجم وقطع الأيدي والأرجل من خلاف!".
يسهب سامر عبد الحميد في تحذير الشعب السوري من الإخوان، فهم كما يقول: "يعلنون وعلى رؤوس الأشهاد، بأنهم إنما يأتمرون بأمر الله"، وكأن في ذلك عيب ومنقصة، فليرى هو بأمر من يأتمر؟!! ثم يعطف باستهزاء رخيص، مشككا بحكمة الله تعالى بقوله: "وكما يعلم الجميع، فإن أوامر الله لا تحتمل النقاش، ولا التفنيد، ولا (التحديث والتطوير)".
ليس عيبا أن يُنتقد الناس –في حدود الأدب واحترام كرامتهم الإنسانية على الأقل- أو أن يُتعرض لهم ولمواقفهم بملاحظات، ظاهرها وباطنها يهدف إلى إصلاح الخلل، والتوجيه نحو الصواب. أما أن يتم التطاول على ذات الله تعالى، بحكمته الكريمة، وعلمه الأزلي، فهذا ما يدخل في إطار الخُلق الرذيل المنتن، والفكر المبتذل القادم من بني الأصفر، حيث استطاب سامر عبد الحميد ارتدائه كي يتمايز به عن الآخرين، بريحه المنتن، وفقع لمعانه المصفر.
ثم يستمر كاتبنا ينفث سموما ليزيد بين أبناء الشعب الواحد أحقادا بقوله عن الإخوان: "ليس لهم الحق على الإطلاق في أن يتدخلوا بالسياسة، ولا أن يصلوا إلى الحكم لا عبر صناديق الاقتراع ولا عبر غيرها"، وكيف لمثله أن يهنأ بأية عملية ديمقراطية أو إصلاحية وهو يعي تماما حصيلة صندوق الاقتراع الحر النزيه، عندما يختار الشعب ممثليه، وأين سيكون موقعه من الإعراب حينذاك؟! فتخوفه إذن عند محله، لأنه لا مكان له بين أكارم القوم.
وتكاد دمعة حزينة تفر من عين جبانة، عندما يستشهد المناضل السامر بتجربة الثورة الإيرانية -التي أطاحت بأحد كبار رؤوس الفساد في دول العالم الثالث آنذاك- بقوله: "ألم يكن (الشاه) أفضل ألف مرة من هؤلاء المشايخ (المفوضين من الله)!، الشاهنشاهية سقطت بسقوط الشاه، فهل يسقط هؤلاء قبل سقوط الله!!" تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
ثم يميط عبد الحميد لثاما ثوريا من الدرجة الأولى عن وجه كالح بقوله: "كيف ترفض قوى (التجمع) الدبابة الأمريكية، وتقبل أن تركب (منجنيق) الإخوان؟! أليس الإخوان في نهاية المطاف أسوأ من إسرائيل؟! ... أنا مع أن يقوم العالم ولا يقعد لو تعرض أصغر (علماني) لأي تضييق، لكني أعتبر إبادة الأصوليين الإسلاميين في أي مكان قمة الأخلاق الرفيعة!".
ويختم سامر عبد الحميد ندائه "التاريخي" إلى الشعب السوري بقوله: "صحيح أنه في حال جرت انتخابات حرة، فإن أغلبية الشعب المغيَّب والمهمَّش والمتخلف سينتخب الإخوان بغالبية ساحقة ... وليس من حق هذا الشعب أن يورث لأبنائه حكما دينيا قائما على السفاهة وقلة العقل واحتقار العلم".
من الغريب أن سامرنا، يتوشح منطقا لا يمت لديننا وتاريخنا وتراثنا بصلة، رغم أنه يبصر بعين خائنة صباح مساء، مآذن الجامع الأموي التي كانت قبلة أهل العلم والمعرفة، حتى تولى شؤون العباد من تمنطقوا فكر سامر عبد الحميد، فباعوا تراثنا وعلومنا وقيمنا، وارتحلوا ينهلون من معينها بعد أن شوهت حقائقها على أيدي كبار المستشرقين ومنظري حركة الاستعمار الحديث بكافة أشكاله.
ربما يعتقد البعض أن كاتبنا هذا، يحمل بين أنامله قلما مأجورا، غير أنني لا أظن ذلك، فقد هربت اشتراكيته في عقر دارها بعيدا بالاتجاه الآخر منذ ما يزيد على عقد ونصف من الزمان، وتركت خلفها عبد الحميد وغيره في ساحتنا العربية، يهيمون على وجوههم مستندين على أقلام حبرها ينقط الرمق الأخير.
من الغريب، أن يجد هذا الكاتب وأمثاله ملاذا لبث أفكارهم الظلامية المشككة، والتي لا همَّ لها سوى إبقاء شعوبنا مغلوب على أمرها، همها رغيف خبز، وشربة ماء، وقطعة كساء، في حين تبقى مجموعة الأسر الحاكمة، والعائلات المالكة في بلادنا العربية تتسلط الرقاب وتهيمن على مقدرات الشعوب.. فلم الخوف من التغيير، والتغيير قادم لا محالة؟!! ولم الخوف من الإسلام والحركات الإسلامية وجماعة الإخوان المسلمين، إذا كانت الرغبة الصادرة عن صندوق الانتخاب هي الحكم والفيصل؟!! ألم نمل بعد من ذاك الصندوق الأسود قاتم اللون، ذو الأربع تسعات؟!! ثم لماذا نشرع لأنفسنا تبني ما نشاء من أفكار ومعتقدات وأيديولوجيات ونسمح على أساسها بتشكيل أحزاب سياسية، ويستثنى من ذلك الإسلاميين وجماعة الإخوان؟!! أليس دين هؤلاء هو دين شعوبنا العربية والإسلامية؟!! لقد تقلبت شعوبنا مكرهة في أحضان الشرق والغرب عبر قادتها وحكامها الأدوات، أوليس لها الحق أن تعود لذاتها الأصيلة مرة أخرى؟!! إن تبني شعوبنا لخيار الإسلام، ليس بحثا عن بديل، بل استقدامٍ لماضٍ تستذكر فيه أوج عزّها وعلو شأنها وريادتها الأمم لعدة قرون خلت.
مما يتخوف منه سامر عبد الحميد في ندائه الأخير، أن جماعة الإخوان المسلمين، وهي قادمة نحو المشاركة السياسية، تحمل ثقافة الجلد والرجم وقطع الأيدي والأرجل من خلاف؛ وهو تخوف افتعله الأسياد من المستشرقين ونطق به المشككين.. أوليس من حق إنساننا العربي أن يرى –ولو لمرة واحدة- عصبة جلاديه وزمرة اللصوص ومصاصي دمائه، يجلدون أو يرجمون أو تقطع أيديهم وأرجلهم وألسنتهم، بعد أن أثخنوه جلدا ورجما وقذفا وتقتيلا.
نستهجن على بعض مثقفينا وكتابنا ومفكرينا، بقاءهم يحاربون القادم النظيف يدا وسلوكا، وهم يشاهدون القائم على شؤونهم يرتع فسادا وظلما وجورا!! فاحذروا أيها السوريون من سافر غير الحميد.


يوسف العمايرة - الخليل / فلسطين
yamayreh@yahoo.com

تاريخ النشر : 13/6/2005