الخيار والفقوس
بقلم : د . محمود عوض

****8/5/2002*****

---- لأكثر من ثلاثين عاما كان الفلسطيني "متهما لدى الأمة العربية" بأنه باع أرضه ولم يقاتل لأجلها بل قبض الثمن وأطلق ساقيه للريح هاربا ولاجئا .

الأنظمة العربية كانت في أغلبيتها وراء نشر هذه المقولة (( الفلسطيني الخائن والفلسطيني المتقاعس وما شابه ذلك )) وكان الإفراز الناتج عن ذلك أن بعض الأنظمة خلقت لنفسها مركبا لتأسيس لا أنظمة سياسية فحسب وإنما لـتأسيس أنظمة محورت حولها (( نوعا من الصهيونية العربية )) فكان قطع صهيونية هرتسل للأرض الفلسطينية بينما كان القطع للصهيونية الإقليمية العربية للحم الفلسطيني بل والشرف الفلسطيني ناهيك عن قطع أرزاق الفلسطيني ولعل هذا القطع الإقليمي العربي وصل سقفه الأعلى بترويج مقولة أخرى هي القول بأن الفلسطيني باع وطنه لينتزع وطنا بديلا بمثابة تعويض وكان هذا هو أخطر مدخل لخلق مظلة حماية لأنظمة عربية بعينها وهي معروفة دون ذكرها بالحرف العريض .

هكذا عاش شعب فلسطين بين مغتصبين "الإسرائيلي" إغتصب أرضه والعربي الإقليمي إغتصب هويته وظل يعمل دون هوادة لخصي إنتمائه القومي .. الغاصب "الإسرائيلي" في عدائه كان هدفه بناء وطن قومي بينما الغاصب العربي الإقليمي كان هدفه وما زال بناء نظام حكم .

في هذا السياق وقع التحالف بين الغاصب "الإسرائيلي" وبين الغاصب العربي الإقليمي فمن الثدي الصهيوني رضعت بعض الأنظمة العربيه ونمت وتوهمت أو زرعت الوهم بأنها تتمع بالسيادة وبالإستقلال مع أن الحقيقة البدهية والمعروفة أن دورها في التحالف مع الصهيونية ان تقوم لقاء إستمرارها كنظام في أن تظل كلب حراسة للكيان الصهيوني .

فعلا أتقنت هذه الأنظمة دورها خير إتقان بل وصل الأمر بأحد قادة هذه الأنظمة أن تفاخر علنا بعلاقات سرية وطد أواصرها مع "اسرائيل" على مدى عقود .

المعنى أن هؤلاء (( كلاب الحراسة )) وصلوا مرحلة من الإطمئنان ليتجرؤا على العمل المكشوف معتمدين على أن بضاعتهم القائلة بأن السبب في كل ما أصاب فلسطين كان شعب فلسطين نفسه الذي باع أرضه وهرب باحثا عن وطن بديل .

المفاجأة لهؤلاء جاءت عبر النهوض الفلسطيني المقاوم إبان الإنتفاضة الأولى والثانية فقد أسقطت البطولات الفلسطينية مقولة (( الأنظمة المرتزقه )) وأحسوا بأن خطرا يتنامى من جراء ذلك سيعصف بهم قبل أو بعد أن يعصف بنزعة التوسع الصهيوني .

في هذا السياق يغدو من السهل على كل مراقب أن يدرك أن أي إنتصار فلسطيني سيكون بمثابة هزيمة لأنظمة عربية إقليمية قبل أن يكون هزيمة "لإسرائيل" فحسب .

يقينا من هذا المنطلق فإن هؤلاء سيبقون سادرين في عمل المستحيل لإجهاض البطولة الفلسطينية وهم في ذلك لن يعنيهم بحال من الأحوال مسألة ما يسمى بالوطن والأرض ذلك أن ما يعنيهم فحسب هو نظام الحكم .

الآن وليس غدا لا بد من الفرز المعلن لهؤلاء بل ونبذهم خارج أي مشاورات أو تنسيق وكشف سؤاتهم تحت الشمس دون مجاملة أو حرص كاذب على وهم إسمه التضامن ووحدة الصف العربي .

في يقيني أنه ليس من الصعب معرفتهم فمن تابع قراءة المقال لا بد وأن جال بخاطره إسمهم وعنوانهم وتاريخهم .. الأمر ليس فزورة أو كلمات متقاطعه .. فجميعنا يعرفهم وهم على يقين أننا نعرفهم .. لكن المهم أن يتقدم أحد ليعلق الجرس .. أعني الجرس السياسي .. وحينها ستهتف الجماهير في الشوارع العربية مطالبة لا بطرد السفير الأمريكي بل بطرد سفراء تلك الأنظمة .

دون ذلك ستظل خناجر هؤلاء تنغرز في ظهور وصدور كل العرب وليس الفلسطينيين فحسب .

الدكتور محمود عوض مع التحيات