إن اولئك الذين يصفون مقاومة الاحتلال بالارهاب هم اعداء لدودون للقضية الفلسطينية وللشعب الفلسطيني
الاب عطا الله حنا


الأقصى والقيامة في القدس توأمان لا ينفصلان
مواضيع متعلقة :
الأب عطا الله حنا

  

القدس مدينة إيماننا والُسلم الروحي الذي ُيصعدنا إلى السماء وهي المدينة المقدسة التي تحتضن المقدسات والحضارة والتاريخ والتراث والهوية ، وهي بالنسبة إلينا بمثابة القلب من الجسد فلا حياة للجسد بدون القلب كما أنه لا يمكننا أن نتحدث عن فلسطين بدون قلبها النابض القدس الشريف ، إنها المدينة التي تعبر عن أصالتنا ووحدتنا الوطنية وتراثنا الروحي العميق ، وإنها لوحة فسيفسائية رائعة فيها من الجمالات ما يجعل القلب الانساني يخشع ويتواضع ويسجد ويتأمل أمام عظمة الخالق الذي أراد من هذه المدينة أن تكون محجا وإناء مقدسا يذكرنا بعطايا الله ومواهبه لنا نحن البشر .

لقد تغنى الشعراء وكتب المؤلفون والأدباء وسطروا أروع الكلمات في قدسنا الحبيبة، ولكننا مهما كتبنا فنحن مقصّرون ، فالكلمات مهما كانت جميلة والصور مهما كانت معبرة لا يمكنها أن تعبر عن عظمة وسمو القدس التي نسكنها وتسكن فينا والتي نعشقها وفي معابدها نسجد للإله الواحد الأحد .

إنني أعتقد بأنه من الأهمية بمكان أن نبرز ونؤكد دائما وأبدا الحقائق التي يجب أن نتناولها عندما نقدم شيئا للقدس عربون محبة وولاء وإخلاص لمدينتنا المقدسة الخالدة ، فالقدس تئن في نزيفها وتستصرخ الضمائر الحية وهي المدينة المحتلة المحاصرة المهددة والممتهنة في كل يوم وفي كل ساعة، فمنذ أن تم احتلالها هنالك شيء غير طبيعي يحصل ، ذلك لأن الاحتلال بكل غطرسته وغروره وعنصريته وعجرفته يسعى إلى خلق واقع جديد ، فالاحتلال الإسرائيلي لا يستهدف الأرض فقط وإنما يستهدف كل ما هو فوق هذه الأرض من حجر وبشر وتاريخ وتراث وحضارة، فسعي الاحتلال هو سعي دؤوب يهدف الى تهويد الأرض والمقدسات في هذه المدينة وطمس معالمها العربية الفلسطينية ، وقد تسارعت الأحداث فكان هنالك استهداف المقدسات واستهداف المؤسسات واستهداف الانسان الفلسطيني المقدسي في الصميم وكأن صورة القدس الرائعة مهددة بالزوال والاندثار والصهيونية الحاقدة لا تريد الخير لهذا الشعب ولهذه الأمة ولهذه المحجات المباركة التي تحتضنها قدس الأقداس .

ولكن مهما كثر المتآمرون ومهما تفاقمت سياسات التهويد والأسرلة ومهما سعى الطغاة الغزاة الى طمس معالم القدس الحضارية العربية الاسلامية والمسيحية ، إلا أن حقنا التاريخي الشرعي في القدس هو أقوى من سياساتهم وأقوى من غطرستهم ومن غرورهم وهيمنتهم ، فالقدس ستعود عاجلا أم آجلا إلى أصحابها وهي المدينة التي تنتظر فتحا عربيا جديدا لكي تعود إلى وضعها الطبيعي الذي سلبت منه عندما تم احتلالها وسيبقى يوم سقوط القدس يوما تاريخيا مشهودا في تاريخ أمتنا وشعبنا، ولكن اليوم الأعظم هو يوم عودتها وتحريرها ورفع الراية الفلسطينية فوق مساجدها وكنائسها وأسوارها ومؤسساتها الوطنية .

كل حجر وكل زاوية في هذه المدينة تذكّرك بحدث عظيم ولكن الحدث الأعظم في القدس هو ما حصل على أرض القيامة والأقصى ، الإسراء والمعراج وقيامة المسيح وانتصاره على الموت ، سيبقيان الحدثين الأهم في تاريخ القدس الروحي وستبقى هذه المحجات الروحية موئلا لكل المصلين والداعين لأجل المحبة والسلام ، والأقصى والقيامة هما توأمان لا ينفصلان وهما مهوى أفئدة الملايين من المؤمنين بالإله الواحد في العالم ، أفلا يحق للفلسطيني أن يرفع هامته افتخارا واعتزازا بعاصمته الروحية والوطنية أفلا يحق لنا أن نفتخر بأن القدس وما حول القدس هي مهد الديانات والحضارات ، وكيف لا يمكننا أن نعبر عن ألمنا الجسيم أن الاحتلال يقتلع القدس من الجسد الفلسطيني ولكن فلسطين أبت أن يقتلع منها قلبها فلا حياة لها بلا قلبها وهو القدس .

وستبقى القدس رمزا من رموز النضال الوطني الفلسطيني وتعبيرا عن إيمان الفلسطيني بعدالة قضيته ، وإيمانه بأن الله هو أعظم من الأشرار وأكبر من المحتلين الغزاة ، وإننا على يقين بأن السياسات التهويدية الهادفة إلى تزييف الحقائق والتاريخ ستبوء بفشل ذريع ذلك لأن الوجه العربي للقدس لا يمكنه أن ُيحجب .

فمن القدس أحيي كافة محبي هذه المدينة المقدسة وما أكثرهم فعندما يسجد المؤمنون في مشارق الأرض ومغاربها يذكرون القدس ويدعون من أجل شعبها المحافظ عليها وعلى مقدساتها ، وإننا في الوقت الذي فيه نؤكد نحن الفلسطينيون مسلمين ومسيحيين تمسكنا بمدينتنا الخالدة القدس لكي تكون عاصمة لدولتنا المستقلة فلسطين نناشد العالم بأٍسره ونناشد العرب المسلمين والمسيحيين ألا يتركوا القدس مكبلة بسلاسل الاحتلال وجريحة متألمة ، فصوت القدس يجب أن يصل إلى كل مكان ويجب أن يخترق كافة القلوب مهما كانت متحجرة ، وأن يخاطب كافة الضمائر فالقدس عاصمة فلسطين هذا ليس شعارا نردده وإنما هذا هاجسنا وطموحنا ورجاؤنا وأملنا .

القدس المدينة التي يتعانق فيه الصليب والهلال وفيها تتعانق المساجد والكنائس وفيها مزيج من أصوات أجراس الكنائس والأذان ، وكلها تشهد بالإيمان أن لنا إلها واحدا خالقا للسماء والأرض وهو إلهنا الذي نسأله أن يقوينا ويقوي شعبنا لكي يصل إلى تحقيق طموحاته الوطنية وحقه المشروع في إقامة دولته الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.