المشكلة هناك !!
بقلم : سري سمور

بعد المقال السابق : "هل ستشكل القوى الإسلامية درعا لأبي مازن في مواجهة مراكز القوى داخل حركة فتح والسلطة؟!" وردتني تعقيبات وأسئلة عديدة ،وكان هناك تساؤلان مركزيان حول الطرح الذي ورد في المقال وهما:-

1) ان واشنطن لن ترضى بأي نوع من التحالف بين الرئيس محمود عباس (أبو مازن) وبين حركة حماس لأنها تعتبر حركة حماس حركة إرهابية ولم تخفي واشنطن امتعاضها من الفوز الذي حققته حماس في الانتخابات البلدية في غزة فكيف سيتصرف الرئيس محمود عباس حيال ذلك؟

2) إن أبا مازن في بداية عهده وبعد أن تستتب الأمور يتوقع المتسائلون والمشككون في الطرح (تشكيل حماس درعاً تحالفياً مع عباس) أن يقوم أبو مازن بالتضييق على حركة حماس والجهاد الإسلامي والعودة إلى الأسلوب الأمني في التعامل معهما وفتح السجون بل وتقديم بعض العناصر إلى القضاء العسكري لا سيما أن هناك تسريبات عن إعلان بعض الضباط عن استعدادهم لتطبيق "الفلوجة ستايل" ضد فصائل المقاومة وهناك في طاقم أبي مازن من هم معروفون بعدائهم الشديد للحركات الإسلامية بل ضد الدين الإسلامي نفسه (مثل وزير النقل والمواصلات الحالي حكمت زيد) ! فهل هناك مجال للتحالف المفترض بين حماس وعباس؟!

قبل الإجابة على السؤالين السابقتين أحب التأكيد على أن كل شيء في عالم السياسة ممكن وقد تتوقع شيئاً بناءً على قراءة معينة من زاوية أو زوايا أو جميع الزوايا المتعلقة بمسألة ما لتكون النتيجة خلاف ما توقعته تماماً ولا أقول هذا الكلام لحفظ خط الرجعة عن الطرح الذي أشرت إليه بل أنا أؤكد على حقيقة لا تخرج عن سياق البحث العلمي والمنطقي.

* بالنسبة لموقف واشنطن فهو ليس جديداً على كل حال، سجن موسى أبو مرزوق رئيس المكتب السياسي السابق لحركة حماس 14 شهراً في سجون الولايات المتحدة في فترة الرئيس كلينتون وأغلقت مؤسسات وجمعيات متهمة بدعم حماس، وجاءت مادلين أولبرايت وزيرة الخارجية في عهد كلينتون إلى رام الله لتقول لنا أن "إسرائيل" ليست عدوا للشعب الفلسطيني بل العدو هو حماس والجهاد الإسلامي !في عهد بوش الابن وبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر ازدادت وتيرة التضييق على الحركات الإسلامية وأخذت الإدارة الأمريكية بالتعامل العسكري المباشر مع الخصوم المباشرين أو المفترضين ومن تتوقع أنه يعرقل مخططاتها في المنطقة والعالم .

لكن واشنطن بدأت تتخبط ولعل نوعاً من الإدراك للواقع يغزوها لاسيما أن المقاومة العراقية التي يتوقع أن تتطور بشكل دراماتيكي خلال الأشهر القادمة ستجعل واشنطن منهكة ومرتبكة ليس لها من "الترف السياسي" قدراً كافياً لدرجة الاعتراض على كل كبيرة وصغيرة يقوم بها الفلسطينيون سلطة أو معارضة، ونحن نلاحظ أن بعضا من الدول ترفع صوتها في وجه واشنطن وترفض اعتبار رأي البيت الأبيض كلاما منزلا من السماء، ولا يخفى أن دولة مثل إيران مثلا ما كانت الظروف ستساعدها فيما يتعلق ببرنامجها النووي لولا الوضع المشتعل في العراق.

قد يكون الوضع الفلسطيني مختلفا كون السلطة تعتاش على المساعدات، لكن مساعدات واشنطن لنا لن تكون سخية كما يتصور البعض مهما كانت طبيعة العلاقة بين السلطة والمعارضة الإسلامية فلا إغراء ولا ترهيب وإن وجد هذا أو ذاك فلن يكون أبو مازن أول من يقول لا، إميل لحود لم يجد حرجاً في الوقوف خلف الشيخ حسن نصر الله في حفل استقبال الأسرى ودخل حزب الله "الإرهابي" بمنظور أمريكا البرلمان والبلديات وله فضائية وإذاعة وصحف، صحيح أن ثمة فرق بين لبنان وبين فلسطين، لأن للبنان خصوصياته المعروفة، ولكننا في فلسطين لنا خصوصياتنا أيضا وعلى إدارة "العم سام "ان تتكيف معها قبلتها أو لم تقبلها، واشنطن لا تريد إلا عالماً إسلاميا وعربياً فيه نموذج كرزاي وعلاوي وليس نموذج لحود، لكن أمريكا التي تنصب نفسها قاضياً وشرطياً على العالم ستدرك وخلال وقت ليس بالطويل أنها لايمكن أن تستمر بالتعامل بنفس السياسة، وقد أبدو هنا منظراً لطرح جديد مفاده أن أبا مازن هو "لحود فلسطين" ولأحسم الأمر أرد نافياً ونافيا بشكل أشد لأن يكون "كرزاي فلسطين" أو "علاوي فلسطين" !

  • أما السؤال حول إمكانية الضغط الأمني على حماس بعد استتباب الأمور ووجود عناصر عدائية لها في طاقم أبي مازن فهو مبالغ فيه، فحماس لها شعبية واسعة وتستطيع "قلب الطاولة" إن شعرت بالخطر و بإمكان أبو مازن الصراخ بالفم الملآن : "إسرائيل بكامل قوتها العسكرية وتأثيرها السياسي على أمريكا وأوروبا لم تقض على حماس فماذا تنتظرون مني؟!"،وبالنسبة للأشخاص الذين يتحدثون عن "فلوجة ستايل" والأشخاص الذين يكنون العداء لحماس فالصنف الأول لا يمثلون إلا ذاتهم ونفرا قليلا من المرتزقة وربما يكون هؤلاء يريدون مكسبا إعلاميا من خلال هذا الكلام دون أن يكونوا على استعداد لتنفيذه رغم تحفظي على هذا الأسلوب، ويجب أن لا ننسى أن الاحتلال الأمريكي للعراق ليس كالمشروع الصهيوني في فلسطين إحلاليا عنصريا ، "إسرائيل" ببساطة تريد أرضا بلا شعب ،ولكن واشنطن لا تريد ذلك في العراق ،وهذا يجعل الجميع (سلطة ومعارضة) في دائرة الخطر ،ولقد قلت في المقال السابق أن الاستفراد بالقرار تبين أنه سياسة فاشلة مئة بالمئة من خلال التجربة كذلك يجب أن لا يفوتنا أن أبا مازن يدرك أن "إسرائيل" توقع اتفاقاً اليوم لتنقلب عليه وتحاربه غداً وهي لا تطرح شيئاً يمكن أن نقتتل عليه ولن تطرح ،ربما يكون أبو مازن راغباً في الحد من شعبية حماس ولكنه سيسعى لتحقيق تلك الرغبة من خلال تحسين الحياة للناس ومحاربة الديناصورات والطفيليات وليس من خلال السجون والمحاكم،وهو يدرك أن حربا على حماس معناها خروج ما هو أشد منها من رحمها وبعبارة أكثر صراحة ؛وجود تنظيم قاعدة فلسطيني!!

    أما الصنف الثاني المعادي لحماس أو ربما للإسلام فقد برهنت حماس أنها تتعامل مع السياسات والمواقف وليس مع الأشخاص بعيدا عن المحبة أو الكراهية، ولو كان الأمر يتعلق بحب هذا أو كره ذاك لكان من السهل على حماس أن تشترط عزل أو إقالة فلان أو فلان سواء في عهد عرفات أو عهد عباس ولكان الأول والثاني سريعي الإجابة في مقابل مواقف معينة من حماس، فالأمر سياسي أكثر منه شخصي أو أيدولوجي، وهؤلاء (المعادون)سيختفون أوتوماتيكيا إن حدث التحالف المفترض أو سيضطرون للتراجع عن مواقفهم.

    حوار عباس مع الفصائل الإسلامية ورضا تلك الفصائل (النسبي) عما اتخذه من اجراءات ومطالبتها بالمزيد يلخص لنا الوضع؛ لا حرب أهلية، الحوار هو السبيل للاتفاق، إمكانية مطالبة الرئيس الجديد بمزيد من الإجراءات لقبول فكرة التهدئة وتمديد الهدنة، مرة أخرى

    أردد أن كل شيء مرتبط بسياسة "إسرائيل" وتصرفات جيشها فالمشكلة هناك وليس هنا!

    * فمن يهدد بنسف المسجد الأقصى هناك وليس هنا، والاغتيال السياسي الأول حدث هناك ولم يحدث هنا والاغتيال السياسي الثاني متوقع هناك وليس هنا، والقتل والاعتقال والتدمير سياسات تدار من هناك وليس من هنا،ومن هاجم سيارات الشرطتين (الفلسطينية والإسرائيلية) من هناك وليس من هنا،ومن يبني الجدار من هناك وليس من هنا،ومن ومن ومن ...من هناك وليس من هنا، أختم حديثي بعنوانه؛ المشكلة هناك!

    سري سمور/جنين/فلسطين
    sari_sammour@yahoo.com