لحظات الحزن المقدس
قـلم : سـليـمان نــزال

سـليمان نـزال

- إلى ماهر و مازن..و كل شهدائنا الأبرار في فلسطين و العراق -

لحظات الحزن المقدس بكل ما تحتويه من صفاء و دلالة و بهاء, لا يدرك كنهها و لا يسبر غورها و يشعر بأعماقها إلاّ أولئك الذين يستحقون أن نطلق عليهم صفة البشر و الإنتساب إلى عالم الإنسان الحقيقي المرتبط وجوداً و معنى برسالة إنتماء و قضية يلتزم بها صوناً و دفاعاً و مبادىء تلزمه بالتضحية و بذل الجهد و العطاء.

و للحزن الفلسطيني مواقيت مقدسة يعبر بها صاحب الجرح عن إحساسه بجرح أخيه, عن مشاركته له في الألم و في العزاء و في رفد الإرادات الجماعية بآفاق جديدة للتسامي و الصبر و النهوض.
فليس كل من دبَّ عليها من أبناء العقوق و المكائد و السكوت الحاقد , يستحق أن يكون إنساناً عربي الآمال و التوجهات و الأفكار حتى نرد على كلماته المرتبطة بأسباب الجبن و التبعية و الغدر و التخلف أو نمحضه إلتفاتا, يعبر عن تقدير و إحترام لوجوده الزائد, الشاحب.
لكن أشياء الواقع العربي المزعجة جداً و الخارجة عن كل مألوف
بشري و قيمي كثيرة الخراب, متنوعة الفضائح, مصحوبة على الدوام بألوان هوان فاقع,مزري.
لا مفر من مواجهتها- دون ان نكسر سلم الأولويات و نلقي به في بحر التخبط-
وصولاً الى لحظة إعلان حقيقة زوالها و غروبها النهائي, و إنعدام تأثيرها على تطور و تقدم المواطن العربي, الذي يتمنى لأمته الخير و الإزدهار و تحقيق التنمية و العدالة و إنجاز الإستقلال الحقيقي, إستقلال الشعوب وليس إستقلالات الديكورات الرسمية و ملحقاتها الإستعراضية المضحكة.

أوقات الأحزان الفلسطينية, هي أوقات مضمخة برذاذ الرضى و تحقيق الذات - لأن المحافظ على كرامته من خلال نيرانه و حجارته, يكون راضياً , حتى و إن كان قابضا على كل إنفجارات الصواريخ المعادية الصهيونية بيمينه و يساره.

يعرف الباسل الفلسطيني كل المعرفة أن التمسك بمسار الإشتباك المباشر مع العدو له من التكاليف الباهضة ما تنوء عن حمله جبال الأطلس و قمة إيفرست.

لكنه يزود مكنون عناده و صلابته بشحنات التحدي و المثابرة. لكن أقسى ما في الأمر, أن الصمت العربي المخزي يكبد المنتفض الجسور من خسائر معنوية أكثر بما يقاس مما يفقده من هذا المخزون على يد العدو الصهيوني المعروف.

أما العربي الذليل المنسحب أصلاً من إلتزامه بواجبات العروبة و ما تقتضيه من أفعال صائبة, فإنك لا تستطيع أن ترد له الصفعة -يأكل البعض لحمك نيئاً و توفر أنت لحومهم بسبب شهامتك و تمسكك بقوميتك و عروبتك و هويتك الإسلامية و بيت الشعر الذي يشير إلى هذا المعنى- كيف سيشعر هذا البعض العاق بما أصابك من أحزان و بما يدمي ظهرك من أشواك بل طعنات و مجازر وحشية؟

و هل ستنجو أحزانك الراهنة و أنت تودع الشهداء الأبرار, بفلسطين و العراق, من بعض الشامتين, السفلة؟

لكنها أولويات, لها منطق آخر و حسابات عاقلة, مرحلة صعبة لا يريد أن يفقد الفلسطيني المناضل في تداخلاتها و تقاطعاتها بوصلة الإنتباه و التركيز في قلب الحدث المركزي, حيث يتصدر الأجندة الكفاحية, هدف طرد الإحتلال و قيام الدولة الفلسطينية المستقلة و ضمان حق العودة الكاملة.

الحزن الفلسطيني مقدس و مبجلة دائماً هي دماء بواسلنا و صقورنا الشهداء.

إن منجل الزمان البتار لا يعرف الثبات و يعاف النوم السلطاني, الأبدي, و سيوف الدهر الحادة في حركة مستمرة, تترصد و تلاحق في كل مكان أشباه الرجال-الأنذال, و سوف تحيل أرصدتهم المكتنزه من مدخرات الذل و التواطؤ اللئيم و الفساد الى فناء و هشيم و رماد.

و لن تعبأ الصقور و النسور الفلسطينية بكل الصغائر, ستظل تحلق عالياً بفضاء إنتفاضتها.

و ستلقي التحية على كل من يناصرها و يساندها.

و ستعرف الشعوب العربية في يومها القادم الحاسم كيف توفر حساباً عسيراً للخونة و الجبناء.

سليمان نزال
تاريخ النشر : 14.09.2004