نهر التلاقي
شـعر : سـليـمان نـزال

سـليمان نـزال

إنطلقَ " باسلٌ " من ضفةِ العطش و البسالة و المرايا الرملية, إنطلقت هي, من ضفة البطولات و الصرخات البعيدة في غابة الإسمنت و العيون الزجاجية.

مضى صوب زورقه الصغير المطلي باللون الأخضر, الذي أطلقَ عليه إسم ربيع, و كان يعرف أن حبيبته"جنين" تنتظره في زورقها البرتقالي..و أخذَ يفكر بأول كلمة سوف يفتح بها بداية اللقاء..قبل أمتار قليلة..شاهدَ نبتةً صغيرةً تشقُّ مساماتِ الجفاف ..إنحنى عليها..أخذ يداعبها كأنها حصانه الأشهب العربي.. لمسها بكف مرتعشة..أخذت نظراته تتجول, علها تعثر على لحظة التبرعم , إقتربَ منها بأنفه,ثم أقترب منها بكل كيانه..أحسَّ أن جوارحه تستعد لإستقبال أريج لم يأت بلاد العرب منذ مئات السنين..تراجعَ إلى الوراء حين لاحظ الأشواك الغريبة تحيط النبتة الصحرواية من ثلاث جهات..دخلَ من جهة الرجاء..بدأ يقطع الشوكَ و يرميه بعيداً.. أنهكه التعب., أخذ يتصبب عرقاً و أسئلة..كادَ يقع مغشياً عليه..تذكَّرَ جهةَ الأملِ الفراتي و القدسي المرابط..تنفَّسَ بعمق..تذكر "جنين" التي تنتظره على الشط الآخر..مسحَ جبينه بكوفيته و سارَ نحو نهر التلاقي..

لم تستأذن سوى قلبها و أمها..لم تتذكر سواه..و حادثة التعارف في نهرٍ جميلٍ و عجيب.لذا لم تتردد في المجيء إليه, في وقت الإبحار المحدد مع بداية نيسان.

أقتربت "جنين" من زورقها..و إنتظرت وصوله..مدَّتْ قدميها في الماء..أخذتْ تحركهما.. و تحدقُ في الجهة المقابلة..تستطلع حضور الباسل. تأخرَ عليها, تناوشها القلق..قالت في سرها"ربما أضرت به الثعابين و غدرته الذئاب" شعرت بالخوف..أخرجت من محفظتها صورته التي إلتقطها بعد الحرب الأخيرة..ضمت الصورة إلى حضنها..وضعتها فوق قلبها.. زالَ التوجس, شعرتْ بالإرتياح و بدأتْ تستعدُ لركوب زورقها, كي تلتقي مع حبيبها" باسل" في وسط النهر, كما إعتادا..منذ أن عرفته إثر تعرض زورقها لرياح عاصفة, عاتية و مساعدته لها و إنقاذها من موت محتم..

بقفزة واحدة كان في الزورق الأخضر..يبحر نحو اللقاء المرتقب..تمنى أن يختصرَ المياه في ثواني..

شاهدته, إلتقت أمواج الفرح و النهر معاً, في إحساس واحد,.أخذت تلوِّح له بمنديل زيتوني..تركَ أحد المجذافين من قبضته, و أخذَ يلوح لها بكوفية الصقر..دون أن تتخلى يده الثانية عن المجذاف الآخر..

وصلَ قلبه إليها, قبل أن يصلَ الزورق حيث تنتظر على الضفة الأخرى..بعد دقائق, كان يصافحها.. و كانت تشير إلى جهة الرجاء في الغابة الإسمنتية, حيث القهر و الإحتلال و المقاومة.. و كان يعدها بغرس الحدائق الغنَاء على ضفتي النهر..كان الباسل يعدها بالحرية.. و بالزواج و إنجاب أطفال يملكون عيوناً من عسل ٍ و كبرياء.. أشبالُ ينفرون من أصحاب الكروش و العيون الزجاجية..و كانت "جنين" تعاهده و تشد من أزر رؤاه..

سارا متشابكي الأيدي و الآمال.. في طريق خارج المدينة..توقفَ في منتصف الطريق, عندما إلتقت عيناه بنبتة تشبه النبتة التي شاهدها في بيداء الظمأ..لكنه لم يبصر سوى الورود من حولها..لا شوك و لا إجتياحات عوسجية ضارة..

و عندما روى لها الحكاية أجابته :- لأنها قريبة من مقبرة الشهداء.

قال باسل:- إذن هي قريبة..

و ذهبا معاً..لقراءة الفاتحة على أرواح الشهداء الأبرار.
___________________
سليمان نزال
25.10.2004