المحاكمة !
بقلم : سليمان نزال

سليمان نزال

   
طحالب هذا الوفت المخصي تستقوي على سنديانة في زنزانة, فتحاكمها على علوها و شموخها..لم نقل أن السنديان العربي لم يخطىء في قاسيات الفصول...لم نزعم أن الجبال الرواسي إمتلكت كل أسباب الحيلة و الحكمة و هي تتورط في منازلات و صراعات في غير مكانها و زمانها, بعد ان إستفزتها و إستعدتها جبال الأحقاد الوحشية الإمبريالية الصهيونية .
لكن السنديان يظل منتسباً إلى فصيلة الجموح و الكبرياء و التحدي. حتى لو ساقته إلى محاكمة باطلة, غير شرعية, بعد أن قطعت العديد من أغصانه, مسننات العولمة الذئبية, و آلات و أدوات دمارها الكوني الغاشم .
و يحدثونك عن الإستبداد في زمن الرئيس الأسير صدام حسين و تحدثهم عن الإستبداد العربي الرسمي , في كل العهود و العصور.. و تذكرهم أن القائد العظيم الكردي المسلم صلاح الدين الأيوبي لم يصل إلى السلطة و القيادة عبر الإنتخابات و صناديق الإقتراع. ثم وصل أخوته إلى السلطة من بعده و فعلوا ما يعرفه التاريخ...و قام الناصر بتحرير بيت المقدس , بعد أن وحد العرب و المسلمين تارة بالحجة و الدهاء و تارة أخرى بالقوةوخوض الحروب الداخلية و في مواجهة رافضي الوحدة و المتعاونين مع الإفرنجة .. و تذكر لهم مشروع محمد علي باشا ومشروعه النهضوي- غير متجاهلين لصفاته النخبوية و لحالة البؤس التي كان يعيشها الإنسان المصري العربي- الذي أجهضته القوى الإستعمارية , بريطانيا و فرنسا في المهد... و تتحدث عن الزعيم خالد الذكر, البطل العربي جمال عبد الناصر..الذي قاوم الإستعمار و حارب الصهيونية, و بنى السد العالي, و أنصف فقراء مصر وعلمهم ..و وزع عليهم الأرض, و عمل الكثير من أجل كرامة الإنسان العربي و وحدة العرب و تقدمهم..و رغم كل إنجازات هذا الرجل العظيم- و في الليلة الظلماء يفتقد البدر- إلا أنه لم يصل إلى الحكم بشكل ديمقراطي على الطريقة الغربية التي يراد لها أن تفرض من خارج صفات الواقع العربي و معطياته بالقوة و الغزو و الأكراه.. و تفريخ العملاء و تلميع الوجوه المنبطحه الكالحة..
الذي بقي من هؤلاء القادة العظام, إنجازاتهم..أفكارهم, طموحاتهم..
و الرئيس صدام حسين, لم تنزع عنه الشرعية ثورة شعبية شاملة لكل الأطياف و المذاهب و المناطق في العراق, تضررت من سياساته, و عقدت له محكمة شعبية-مثلاً- لتحاسبه على ما فعله بحق الشعب العراقي..
كل هذا لم يحدث..هبة في الجنوب العراقي, بعد إحتلال الكويت, مرتبطة بأجندة سياسية و إيديولوجية لدولة في الجوار..هبة في الشمال , و لها إرتباطاتها و إمتداداتها, بهدف إنشاء دولة كردية تنسلخ عن الوطن الأم, العراق..و رغم الأخطاء التي حدثت و من قبل كل الأطراف, الدولة العراقية و خصومها, لم يكن بوسع الدولة العراقية,و أية دولة, أن تفرض سيادتها بواسطة رشق المتمردين, الذين إستعانوا بقوى خارجية, بالورود و سعف النخيل !
لسنا هنا في محاولة لتتويج الرئيس الأسير صدام حسين بكل أنواع المحاسن..لكن الرجل لم يخرج عن سياق عقلية عربية عسكرتارية , لها مساوئها و إيجابياتها, و مشروعها و آمالها و إخفاقاتها, عقلية تتعامل مع واقع عربي ملموس , يتصف بأنه خلطة من تشكيلات إجتماعية متنافرة, متنافسة, ما زلت للقبيلة فيها الدور المقرر في تشكيل الحكومات, إتخاذ القرارات و توزيع المنح و الهبات و تقاسم الموارد..
لكل حسب قوة و تأثير قبيلته..و من ليس له قبيلة كبيرة و فلنتسب إلى الحزب أو التنظيم القائد.. أو -خصوصاً- إلى المؤسسة العسكرية, فيصبح صوته مسموعاً.. و تُكتب له الغلبة إلى أن تسيطر تركيبة أخرى على مقاليد الأمور و ربما إستعانت بعدو شعبها , و الحاقد على جذورها و هويتها الثفاقية و التاريخية, و المعرقل لتطورها, و المانع لمغادرتها كهوف الجمود و التخلف و الفقر و الأمية و الجهل..إلى آخر الأزمات العربية..
ما الذي يجعل صدام حسين يقدم إلى المحاكمة من قبل خصومه و غزاة شعبه و المنتسبين إلى طابور الخزي و العمالة ؟ ماذا عن التوقيت و الأسباب و الأهداف من وراء هذا المحاكمة الصورية المعدة في كواليس المخابرات المركزية الأمريكية و طبقات الهيمنة و الإستعلاء العليا ؟ يمكن في هذا الصدد ذكر بعض الملاحظات السريعة :

- الرئيس صدام يحاكم على أيدي الصهيونية المتحالفة المتوافقة في كل برامج و خطط و أفعال قتل العرب و تشتيتهم و إذلالهم مع الغزاة اليانكيين المتعصبين, و هو يدفع ثمن مواقفه القومية-بصرف النظر عن هامش الصواب و الخلل في هذه الموضوعة --

- الرئيس صدام يحاسب على طموحاته, في بناء عراق قوي و مزدهر, يهدد إسرائيل الإرهابية, و يمكن أن يساهم في إحياء الجبهة الشرقية, مما جعل إسرائيل تستخدم كل أدواتها و قواها الأخطبوطية في واشنطون و لندن و سواها..لتشتيت هذا المسعى.. و تحطيم هذا الإمكانية عبر تلقين العرب الرسميين المزيد من دروس الإستخذاء و التجزئة و الإنقسام..

- الرئيس صدام و النظام العراقي بأكمله يدفعون ثمن دعم و مساندة الشعب الفلسطيني و نصرة إنتفاضته الباسلة و تقديم العون لأسر و عوائل شهداء و شهيدات الشعب الفلسطيني الأبرار..

- الرئيس صدام يحاكم بسبب من صواريخه التسعة و الثلاثين الذي ضربَ بها عمق الكيان الصهيوني..

- صدام حسين المجيد يحاكم لأنه رفض التطبيع مع إسرائيل العنصرية و ظل يردد شعاره الشهير" من النهر إلى البحر".. و تمرد على العولمة و شروطها و ضغوطها الذئبية, و رفضَ أن يبيعَ العراق و ثروته و كنوزه و نفطه لشركات و حكومات النهب الدخيلة..و لم يبن للغزاة-كما فعل عملاء إئتلاف الشر و الإستغلال-, لحماة إسرائيل العدوانية, قواعد عسكرية و مقرات و مراكز تجسس ضد سوريا و العديد من الدول العربية و الإسلامية..

- الرئيس يحاكم..من أجل بث الخوف في صدور الكثيرين من الحكام العرب, فيتعظوا.. و يقدموا المزيد من التنازلات.. و المواقف الذليلة المشينة..
- هي أيضا محاكمة من قبل الغزاة و الطغاة و أعوانهم و أذنابهم لمرحلة تاريخية عربية, بكل ما لها و عليها...

- أما عن توقيت المحاكمة فقد ذكره الرئيس الأسير صدام حسين, حول سعي بوش لتعزيز فرصه في الفوز في الإنتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة ..خصوصاً في أعقاب سلسلة المخازي و التعذيب و الإغتصاب و الإنتهاكات التي أقترفها الغزاة المتوحشون, و بفعل العمليات البطولية الشجاعة التي قام بها نسور المقاومة العراقية الشجاعة ضد المحتلين, و بعد أن إنكشفت أكاذيب الإدارة الأمريكية, و بعد أن عبرت غالبية الشعب الأمريكي عن رأيها في أن بوش كذبَ لشن و تبرير حربه ضد العراق..

من يجاكم من ؟ سؤال شعبي صحيح صريح يسأله الملايين في العراق و على إمتداد الوطن العربي ؟
و تعدد آراء المواطنين العرب و التي نقلتها فضائيات عربية :الحكومة العميلة التي عينها الإحتلال, و التي يتباهي رئيسها بالعمالة مع غزاة شعبه و معذبي رجال و نساء العراق, هي من يجب أن يقدم للمحاكمة والمساءله"
و يقول آخر: " بوش مجرم حرب و كاذب هو أجدر بأن يحاكم" و تقول سيدة فلسطينية جليلة من أرض المعاناة و البطولة و الرباط" المجرم السفاح شارون هو الذي يجب أن يقدم للمحاكمة على جرائمه ومجازره بحق شعبنا"
و يقول فتى فلسطيني:" إن الذيين حاكموا البطل القائد مروان البرغوثي هم أنفسهم الذين يحاكمون صدام"
فأي محكمة هذه يجريها مٌحتل و أعوانه للواقع تحت الإحتلال و الرافض لكل ما ترتب عنه.
أي محكمة هذه, تُعرض بها صور المتهمبن و تُحجب فيها أصواتهم و تصادر فيه حقوقهم القانونية, إلى درجة أن وزيراً في الحكومة التي رتبها و عينها بريمر قبل رحيله مذعوراً و مأزوماً من العراق, يهدد المحامين العرب الذين تطوعوا للدفاع عن صدام حسين .

سليمان نزال

تاريخ النشر : 03:39 02.07.04