مشتقات النفط و مشتقات الأمجاد
بقلم : سليمان نزال

سليمان نزال

   
تتقافزُ حول نيران البوح فراشات صديقة, تسألك في كل صباح: هل أتممتَ واجباتك في الغضب و التحريض و الإنتساب؟ و ما أنت بذائع للسر المكلوم جرحاً, إذ تشاهد أخطبوطات هذا الوقت الإستغلالي الإستعماري تحوم حول ساعات و مواقيت البطولة العربية في فلسطين و العراق ساعية إلى إخراجها من الزمن الفدائي الجريء إلى سراديب الزمن الإنهزامي البذيء!

أليس من واجب الكلمات و المواقف النبيلة أن تصلي خلف إمام اللوز و الإرادات السامقة و تخشع لخالق الكون و الدهر و الكواكب؟ لماذا إذن يصير القاتل الغازي, مغتصب الحقوق و الكرامة و الأطفال و الرجال و النساء" إماما" يخضع الأمة العربية, يذلها إذلالاً, ينهبها نهباً , يقسمها تقسيماً, يأزمها تأزيماً, ثم لا ينطق حكامها إلا مفردات العهر و الإستكانة و الكفر؟ "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما في أنفسهم" و هذا تأكيد إلهي عظيم على دور العامل الذاتي في النهوض و الرقي و التقدم و التغيير من الداخل..فما الذي يفسر, إذن, سجن الذات في دائرة الزفرات و المواجع و جلد الذات مع إبقاء الوضع العربي الكئيب المذل بجلده و مساماته.. على حالته المتقادمة دونما تغيير و تبديل فاعلين؟

إن الحاكم و المحكوم في دنيا العرب, مكفهرة الصفات, يقفان على خط واحد للإستعصاءات و المشاكل و الهموم العربية التاريخية المزمنة, الأول يقف في أول الخط و الثاني في آخره..الأول يراكم الأزمات و يصنع بعضها بحماقته و جهله, يتسبب في خلق الكثير منها, بخنوعه و ضعفه, يستورد ما طاب له من أسباب للهوان و التبعية و التخاذل, ثم يتلذذ في تعذيب شعبه المقهور كما يتلذذ" السكوباتيون" الغزاة المحتلون الأشرار في تعذيب السجناء و المعتقلين من الرجال و النساء في فلسطين و العراق.أما الثاني المحكوم فكلما ظن أنه في طريقه إلى حل أزمة, خرجت له من بين أصابعه أزمة متجددة, يكاد يصيبه الإحباط و هو يرى و يواجه أزمة مثل حية رقشاء بألف رأس محلي و دخيل.

و أزماتنا و معاناتنا كعرب و مسلمين, معروفة الأب و الأم, و لها حسب ونسب و قبائل متصارعة..فهي ليست, كما تؤكد الوقائع من أبناء و بنات الزنا و الحرام و فراش الآخر..و إن كان الآخر يأتي يجيوشه و مخططاته الحاقدة و شركاته الإحتكارية.. و أبواقه الإعلامية و صهاينته.. و مخابراته و أجهزته في الإذلال المتطور الحداثي, فيدخلون جميعا فراش العروبة, و لا من حسيب و لا من رقيب و لا من معترض على دوس الكرامة و التصدي للإنتهاكات..و لا من بطولات تجعلهم يولون الأدبار مندحرين, بعيداً عن مرتكزات عزنا و شرفنا سوى أبطال المقاومتين الباسلتين العراقية و الفلسطينية و معهما كل عربي مقدام و أصيل يضع كفه الغاضبة المعترضة سداً في مواجهة رياح السموم و الإملاءات و الإعتداءات و الإبتزازات الصهيونية و الإمبريالية المتلاحقة..

و السلطات و الحكومات العربية لا تريد أن تتخلى عن دورها " الكلاسيكي" كأدوات قهر و ظلم و فساد و جمود و هي تنتج من المشكلات و الهموم لشعوبها أكثر مما تنتجه اليابان من سيارات على مدار السنة و الفرق بين اليابان و معظم الدول العربية, يكمن في أن الأولى المتقدمة تصدر صناعاتها إلى أسواق خارجية, فتنمو وتزدهر, فتكتسب إحترام العالم و شعوبه, أما الثانية العربية الرسمية, فيقتصر نشاطها المحموم على فتح أسواق داخلية محلية, لتصريف و توزيع الهموم و المعاناة و الإذلال و الإستبداد, إلى درجة أن معدلات إنتاج الأزمات و المكابدات إرتفعت أكثر من المتوقع, في خطة الإنتاج! مما جعل بعض مفكري الإستخذاء و الإنبطاح ينصحون و يشيرون, بفتح مستودع لهذه البضائع الكئيبة السوداء في صدر كل مواطن عربي, فتزداد النعم و يسود العدل!

إن مراكز التفكير في العقل العربي تهدد إن هي إشتغلت بكل طاقتها و قدراتها الجمعية, أعداء هذه الأمة و غزاتها و مستعبديها, لذا, سيستمرون في سكب بعض نفطنا المسروق على أزماتنا, لترتفع ألسنة النار و أعمدة الدخان تغطي على أهدافهم المسعورة, في منع شعوبنا من اللحاق بركب الحضارة و التحديث و التحرر و الإزدهار و إمتلاك ناصية العلوم و التقنيات اللازمة لبلوغ هذه الأهداف السيادية النبيلة.

ليس مفاجئاً, ان يقول الكثيرون من مسؤولي و قادة الدول الإمبريالية و ملحقاتها التابعة, إن إحتلال العراق كان "ضربة معلم" مكنت الغرب الإستعماري و شركاته الإحتكارية من الإستيلاء مباشرة على البترول العربي, و التحكم في إسعاره وكميات إنتاجه, كأهم سلعة إستراتيجية تحدد شكل و مضمون إقتصاد العالم و صناعاته..

إذن يحق للغرب أن يتمتع بمشتقات النفط العربي على كيفه دونما إحتجاج من أصحاب الأرض و الثروات, و علينا أن تتمتع كما نريد" بحرية" بمشتقات الأمجاد العربية إلى ما لا نهاية, فالإمبريالية ليس يضيرها أن نحتفل بالذكريات!

في هذا الإطار, إنتهت أدوار الوكيل و العميل و الذليل..فصارت الأحقاد و الأطماع الإمبريالية و شريكتها الصهيونية, تذهب مباشرة إلى المصبات و الآبار و حقول الإنتاج , لتحقق" ضربة المعلم" عدة أهداف دفعة واحدة في غزوة إمبريالية متواصلة, تستغل و تشتت و ترعب العرب حاكمين ومحكومين, تهدد من لا يستجيب لضغوطها و إملاءاتها, تخدم إسرائيل الإرهابية و تساعدها على إخماد الإنتفاضة المباركة و تمرير حلول هزيلة لقضية الشعب الفلسطيني, تصادر أهدافه في الحرية و الإستقلال و العودة, و ليست قضية مكائد الإنسحاب احادي الجانب, من مستعمرات غزة إلا بداية شريرة لتقزيم أهداف و طموحات الشعب الفلسطيني و بمشاركة و تواطؤ عربيين رسميين.

سليمان نزال