إطمأنَ على النصر و إبتعد
الشاعر : سليمان نزال

سليمان نزال

شارعُ اليمامتين أقفرَ
جوارحنا لم تلد
إستعارات سريعة
كي يرميها جرحنا النشيط
على دفترٍ مذبحة..أسودْ
إشاراتٌ بدينةٌ هطلت
على رصيفِ التقلبات
فإنبطحت إنتظاراتٌ
تسبقها كروش مستعدة
للذود عن أذناب
تلبس أن أمرتها العاديات
أو تراها من خوفها تتجرد..

و هجمَ سادنُ اللعبة النحيلة
على نفسه
يخلصها من الوقتِ السمين
و يودعها كماضٍ تليد
في خزائن التقوى المجهزة
بأسمالِ النقيضِ المُجْهَد
مروراً بعشيرةٍ من الريشِ المكيفِ
المدهون بخافيةِ الظنونِ و الزبد..
كان شارع اليمامتين مقفراً
فسمحتْ بعضُ الألقابِ المتخمة بالحسابات
بمرور الهجماتِ الموحلة
و أخذتِ القنبلةُ اليانكيةُ
تحثُّ عناقيدها الحقودة
أن تنزلَ على شكلِ خشباتٍ ثريةٍ
مرتبةٍ حسب التقويم الهمجي
و صارتْ تتنقلُ كرقصةِ الحرباء
عن طريقِ الإغتصاب و الحشرات الإليكترونية
كانت تسقطُ..تسقط
فينتفضُ دمُ الثورات في عروق النخيل
يشعلُ أسئلةً بلا عدد

من بلدٍ يجددُ عهدَ الخنوع
إنتشرَ الوباءُ الفولاذي
إلى بلد باعَ حدائقه في المزاد السري
وتركَ للعلني ثيابَ الوالي
والزنارَ والعصا و الوتد..
إنتشرَ الوباءُ..تصهيَّنَ.. تلوَّنَ
تمرَّنَ يلقي الخطابات
مذيلة بالقسمِ الصليبي- تطرفاً-
الموشى بنجمةٍ سداسية
خوفاً من العينِ و الحسد!
إلى بلدٍ يحكمه كلُّ شيء
كل ما يتمناه الموت
القهر.. الظلم..الهباء المؤبد.
كلُّ شيءٍ
حتى ظهرَ
كأنه-دون غفلة-
لا يحكمه من الرملِ أحدْ..

لكن الولدَ الذهبي
تفرَّسَ في قسماتِ الزمان
فتراجعَ الدهرُ خشيةً
و إحتراماً خلعَ قبعته
و ضعها في صمتٍ
على رأس ولد فلسطيني..
عراقي.. سوري.. عربي..
فَرَشَ قبضته علانية..
تقاطرتْ إليها نوارسٌ و جهات صامدة
وكلُّ من يمّمَ شطرَ عزيمته
و على الله و النضال إعتمدْ...
لم يرسلْ صيحة إذعان
لم يطلبْ صدقة جبان
لم يزرْ مدناً
تقشعر أبدانها
كلما طولبت بموقف
و حتى ببيان.. يبكي و يندد

لم يضعْ على عتباتِ الذعرِ
قدمهُ الكونية..
لم يرش الأرزَ السلطوي...
على قاتل أخيه محمد
وضعَ قبضتهُ الولدُ الذهبي
فوق خارطةِ البلدان...
وكانت الأرضُ تصغر
شيئاً فشيئاً تصغر
تقلصتْ فيها العناصر
تخلصتْ من وزنها الزائد
من حجمها الدميم
لفظتْ تضاريسها الصفراء
ضمرت فيها ألف عاصمة
دخلت جحرَ الأفعى كي تجدد
جلدَ هزيمتها
بناءً على رغبةِ الحكوماتِ الصديقة
و بمرسوم من والي الطغاة الأوحد..
غدتْ الأرض
أصغر..و أصغر
من قبضةِ الولد الباسل
الذي لم يكن
في عرف الخلودِ .. بلا سَنَد..

شارعُ اليمامتين أقفرَ
خمسون مليون مملوك
يحكمونَ عشرينَ دجاجة
لا تبيض
غير مرة واحدة
كل غزوة جديدة...
و يُفضل-لأسباب فنية- في أيام الأحد !
و عجوزٌ فاقد الأيام..
تائه الهوية..
يتسولُ من التاريخ
نظرةَ إشفاق
بعضَ أوراق قديمة
مكتوب فيها :
أنه حفيد سلالة الضوء و الصهيل
و المعاني العسلية...
يطلبُ..موقعةً ينتصرُ فيها
حلمه المكلوم ..على ضغائن معولمة
لجهات ضد طفل و غيمة تتحد
تغزو بلادَ الفجر و النسور
.. تتحالف مع سجلات رملية خانعة
مرسوم عليها-ببراعة زيتية !
صورَ نمور و جواري في قصور
و صهوات من إسفنج و تداعيات
تتطاول في زمن الأموات..
على زئير ذاكرة يطلقها أسدْ.

صارَ العجوزُ يداوي و يسندُ
جوارحَ إكتظتْ بغبار الفرارِ من الحلم
إلى الحلم.. إلى الإنهيار..
ثم الحلم ثانية.. و الإنفجار..
مع أمداء ترقدُ فيها
التنهدات.. و الدموع
مفتوحة العيون ترقدُ.
مجروحة الصبر و الأمنيات و الجلدْ..
لكن الفتى الذهبي..
رَبَتَ على جرحِ العجوز
أمسكَ يده المعروقة.. القوية
بصقا معاً.. في وجهِ المذلة
.بصقةً كبيرة..هائلة, كونية
فإسودَّ وجه المرحلة الفاشية
برذاذ مقهورين..
رذاذ عنيد
يطلقُ أمواجاً من رشقاتٍ و رماح..
فشوهدت كائنات وحشية.. تتحرك مذعورة
تندحر مرعوبة..تسبقها خرافات و عُقَد
إبتسمَ العجوزُ..
و إبتسمت الضفتان لسنوات رجعت
للصبا.. و لساعات البرتقال و الحصاد..
كائناتُ السناءِ المجتهد
.. تكونتْ في لحظات..
شوهدت تناجي القبضات..
أخذتْ تجمعُ الزفرات الموجهة
تجعلها زيتاً في مصابيح
تضيء كلَّ الأرجاء
تضيء كلَّ الدنيا
إنطلاقاً من فلسطين إلى الأبد..

شارعُ الإنتفاضتين ليس مقفراً
قالَ الشابُ الذي كان عجوزاً!
شارعُ الغيمتين أخضر
قال الفتى الأسمر..
و ما أن إنتهى من قوله
حتى تحلقت قطرات
من الغيثِ الميمون المنتظر
طافتْ حول زنده الأمجد...

شارعُ الغيومِ أخضر..
رأيته يخضرُّ..
صاحَ بنا..
إلى الأمام..
إلى الأمام..
إنتبهوا على زيتونِ رؤانا..
إنتبهوا على دمي..
إنتبهوا-أحبتي- على أحبتي في البلد..
أخضرٌ شارع الوثبات
قالتْ فتاة من البلاد
قالَ الطفلُ..قال الشيخُ
قالت الأشجارُ.. السماءُ..
.قالت المياهُ..الإراداتُ
قالَ كلُّ بيتٍ
حاربَ الغزاةَ و إستبسلَ و صَمَدْ..
أخضرٌ شارع الغيوم الأخضر
قال الفتى الذهبي ثانية
صحنا بعده..
هتفنا جموعا..
تسللنا لنسيج صوته دروعا..
رأينا الزهو و الإنتصارَ..في عينيه
لكننا..
لم نعد نراه
كبرَ الولد
رحلَ الولد
إنتصرَ الولد..
سألنا عنه المكان..
قيلَ لنا..
قد أبتعدَ..
إطمأنَ على الرشقاتِ و إبتعدَ
إطمأنَ على النصرِ ثم إبتعدْ.

سليمان نزال
تاريخ النشر : 11:07 14.07.04