<
جذور الوصاية الأردنية
الفصل الأول : الوكالة وشيوخ العشائر
  • الجزء الثالث :

  • ولم تتوقف العلاقة عند ذلك الحد . فسرعان ما كان مثقال يبذر المال ويضطر لرهن أراض أخرى سعياً وراء المزيد من القروض. وقد أرسل بهذا الصدد رسالة إلى ماير حسيدوف يطلب إليه فيها التوسط لرهن أو شراء أراضي الجيزة. ومع أن هذه الرسالة لا تحمل تاريخ كتابتها ألاَّ أننا نعتقد أنها كتبت بعد رهن أراضي البرزين والجبل بحوالي سنة واحدة فقط وهذا نصها :
    حضرة الخواجة ماير حسيدوف المحترم :
    عقب سؤال خاطركم الكريم، أعرض أولاً سؤال خاطركم، وثانياً نعرفكم عن الحالة الحاضرة بطرفنا، لا خفاكم مَحْلُ هذه السنة. ولا خفاكم طلب الأموال الأميرية منا مع الكمبيالات، خاصة البنوكة والأموال التجارية الذي علينا، ومثل هذه الآونة الحكومة غاصة النظر عن الطلب، والبنك يقلب الأوراق المستحقة، والتجار صابرين. لكن اليوم بالوقت الحاضر بعد الإشاعات من الجرائد والرابطة الذي بيننا، الحكومة تطلب أموالها بتشديد، والبنك شرحه، والتجار أيضاً شددوا علينا بطلباتهم، وكل هذه المصاعب الذي باشرتنا بهذه السنة كلها بواسطة المعرفة والموافقة الذي حصلت بيننا وبينكم. ونحن الآن بغاية الشدة والاحتياج في تسديد الأموال التي نشرحها عياباً لكم ظهر هذا التحرير. ومتأملين سرعة الإنجاز وتدبير الأموال بأي وسيلة كانت، سواء بالقرضة أو برهن كوشان الجيزة. وأملي أن يكون تسديد هذا المبلغ قبل مرور عشرة أيام بالموافقة. حيث نحن بغاية الاحتياج لتسديد المبالغ. وكل شيء نريده اليوم من الأهالي فهو بإمكاننا أن نصل إليه، ليكن معلوم. وإذا فاتت هذه الفرصة بلا فائدة فتذهب أعمالنا أدراج الرياح. وأملي الشديد بأول بوستة أني آخذ جوابكم المسر بجميع ما ذكرته ودمتمَّ باحترام .
    الجواب . عمّان . شارع الرضا
    حسن العالي، ومن فضله ليد محمد الخالد .
    الكاتب يهديكم السلام ** .

    **
    أ. ص. م ملف س. 25/3491 - بالعربية .


    هنا يجب التوقف عند نقطتين هامتين، الأولى : أنه على ضوء ما جاء في تقرير آخر لموشه شرتوك حول لقائه بمثقال الفايز ومفاوضته حول رهن أراضي الجيزة يوم 24/4/1934 م فإننا نستطيع القول بأن رسالة مثقال المذكورة إلى حسيدوف أُرسلت بعد مضي سنة فقط على رهنه لأراضي البرزين كما تقدم .
    والثانية : إن الوكالة أخذت تطالب مثقال في هذه المرحلة بالقيام ببعض النشاط السياسي فيما يتعلق بالهجرة الصهيونية إلى شرقي الأردن وذلك كشرط لتقديمها المعونة المالية له. وهو ما كان مثقال قد ألمح إلى استعداده له في رسالته المذكورة إلى حسيدوف .
    غير أن زيارة شرتوك (ومعه أهرون كوهين) لمثقال في 24/4/1934 م جاءت هذه المرة في فترة كانت العلاقة فيها بين الوكالة وبين الأمير عبد الله قد وصلت إلى مرحلة أرقى وأعقد كما سنرى. وشرتوك يذكر في تقريره المذكور أنه ذهب لزيارة مثقال بعد اجتماعه بالأمير. أمَّا بخصوص زيارته لمثقال فيقول :
    وأكد مثقال مرة أخرى على وجوب اتخاذ خطوة حاسمة من جانبنا. وما كان يعنيه تحديداً هو أن نشتري منه أراضي الجيزة التي قال إن باستطاعته تسجيلها على اسمنا .
    وقد قلت له مرة أخرى أن التسجيل في حد ذاته لزأمَّا عليه وعلى حلفائه الآن التأثير بقدر استطاعتهم لكي يدفعوا إبراهيم هاشم باشا (رئيس الحكومة) وزملاءه إلى الإعلان نيابة عن الأمير وكوكس (المعتمد البريطاني) والمندوب السامي (البريطاني) بأنهم يؤيدون الاستيطان اليهودي. وإذا كانت لحكومة إبراهيم باشا أية شجاعة أدبية في ذلك فإننا نستطيع أن نتوقّع عندها أن يحدث بعض التغيير في الوضع .. وإذا لم يحدث ذلك فسيبقى الأمر محصوراً (في العلاقة) بيننا وبين البريطانيين .. الأمر الذي يعني أنه سيستغرق مدة أطول ** .

    ** أ. ص. م. ملف 25/5153 بالإنجليزية
    .

    سنتطرق فيما بعد إلى الجوانب الرئيسية لنشاط مثقال بين شيوخ العشائر وعلى المستوى الرسمي في إطار تحالفه مع الحركة الصهيونية، وإلى تأثير ذلك النشاط على مجمل واقع الصراع في فلسطين والدور الذي لعبه زعماء شرقي الأردن، وعلى رأسهم الأمير، في ذلك الصراع. أمَّا هنا فيجدر التأكد على أن علاقة مثقال بالوكالة قد شكلت جزءاً من ظاهرة سعي غيره من شيوخ العشائر لإقامة مثل تلك العلاقة من ناحية وساعدت على انتشار تلك الظاهرة من الناحية الأخرى .
    وإذا كان حسيدوف وت. د. قد شكلا حلقة الوصل بالنسبة لمثقال فقد لعب غيرهم دوراً مماثلاً بالنسبة لغيره من الشيوخ. منهم الحاج محمد حمزة الذي صادفناه عند زيارة رفيفان المجالي وحسين الطراونة لبيتاح تكفا في أواخر سنة (1931 م) والذي وصفه أحد التقارير التي كُتبت عن تلك الزيارة بأنه "أحد وجهاء الجليل" ومما يدل على ذلك هو الرسالة التالية التي كتبها له عطوي باشا المجالي "شيخ مشايخ عربان الكرك" في 20/11/1932 م :
    إلى حضرة السيد الحاج محمد حمزة المحترم :
    بعد هذا السلام، أبدى ؟ سابق حررتلكم مع خليل المدانات وتأملت أن تجاوبونا وحضر خليل من طرفكم ولم نرا لكم أقل جواب لذلك أعود وأكتب هذه الجواب لحضرتكم متأمل أن تسعو بكل جهدكم وتعملوا لنا مثل ما سعيتم مع غيرنا. ونحن نقدر لكم كل أمر ونساعدكم بجميع ما ترغبوا، وبهذه الوسيلة أقدم لكم مزيد السلام وننتظر أن تكون عملت شغل وكلمتنا للحضور وبالختام دوم لأخيك ** .

    ** أ. ص. م ملف س. 25/3489 بالعربية .


    والظاهر أن الحاج محمد حمزة قد لعب دور الوسيط والسمسار بين شيوخ آل المجالي عامة وبين الوكالة .
    ومما يؤكد على ذلك هو التقرير الذي كتبه موشه شرتوك والذي يلقي ضوءاً آخر على مضمون رسالة عطوي المذكورة. يقول موشه شرتوك في تقريره :
    نقول م. ح. محمد حمزة :
  • يقترح زعل باشا المجالي، ابن أخت رفيفان باشا، تسجيل 1000 دونم من أراضي لسان البحر الميت على اسمنا في طابو شرقي الأردن دون مقابل بشرط أن نتعهد بمساعدته على فلاحة المساحة المتبقية من أراضيه هناك. وقد قرر زعل أن يكون أول من يفتح الطريق لإصدار كوشان على اسم اليهود في طابو شرقي الأردن .
    اتفقت مع م. ح. على تأجيل البحث في الاقتراح إلى حين قيامنا بالعمل الذي وعدنا رفيفان به. ويقترح م. ح. أن نقوم من طرفنا بإرسال شخص لمعاينة أراضي زعل والتحدث إليه .

  • يلح الشيخ عطوي باشا المجالي، ابن أخ رفيفان . الذي يحمل لقب شيخ مشايخ عربان الكرك، على م. ح. أن يرتب له لقاء معنا "كما فعل بالنسبة للآخرين" .. قلت بأننا مستعدين لعقد مثل ذلك اللقاء في القدس في أي وقت ملائم
  • ** .

    ** أ. ص. م ملف س. 25/3489 بالعبرية .


    ومما يؤكد أيضاً على أن الحاج محمد حمزة توسط في بيع ورهن الأراضي للوكالة هو ما جاء في تقرير آخر لموشه شرتوك يوم 20/12/1932 م :
    «يقول الحاج محمد حمزة أنه استلم رسالة من رفيفان باشا المجالي حول إمكانية أخذ الذين يُقال بأنهم يفاوضون الأمير (أي موظفي الوكالة أنفسهم) بعين الاعتبار فيما يتعلق باقتراح زعل المجالي الذي هو منح بعض أراضيه في منطقة لسان البحر الميت مُقابل تزويده بوسائل استغلال بقية أراضيه .
    وواضح من خلال الرسالة أن محمد حمزة قد علم بكون الأمير قد حدَّث رفيفان أثناء زيارته الأخيرة للكرك عن مفاوضاته بشأن أراضي الغور، كما أن محمد حمزة يعلم أن صيغة الاتفاقية قد قُدِّمت للأمير (من قبل الوكالة) وأنه أعادها مقابل إدخال بعض التعديلات عليها .
    وقد أجاب محمد حمزة رفيفان :
    "بأنه لا يعقل أن يسعى طيلة سنة كاملة من أجل إقامة العلاقات بين اليهود وشرقي الأردن وأن يصرف من أمواله لهذا الغرض على أمل المستقبل بينما يتوصل آخرون إلى ذات الهدف دون وساطته. وقد أجابه رفيفان مؤكداً على أنه يكفل أن يقوم الأمير بتسديد أتعاب محمد حمزة في مشروع ينوي افتتاحه قريباً" ** .

    ** أ. ص. م. ملف س. 25/3489 بالعبرية .


    وبالنسبة لرفيفان نفسه فيذكر موشه شرتوك في تقريره عن اللقاء الذي تمَّ معه في بيت الدكتور أرلوزوروف بحضور هذا الأخير والحاج محمد حمزة. وفي هذا اللقاء تحدث رفيفان عن حاجته لمبلغ من المال وذلك كتكاليف لسعيه من أجل إثبات ملكيته على قطعة أرض مساحتها 3000 دونم شمالي البحر الميت ** .

    ** "لقاء مع رفيفان باشا المجالي" يوم 31/12/1932 م . أ. ص. م. ملف س. 25/3485 - بالعبرية .


    ويظهر أن رفيفان أخذ يسعى في مرحلة متقدمة من علاقته بالوكالة إلى التوسُّط لديها في منح غيره من الشيوخ قروضاً مماثلة مقابل رهن أراضيهم. وقد أرسل بهذا الصدد رسالتين إلى موشه شرتوك إحداهما يوم 22/5/1933 م والثانية يوم 24/5/1933 م .
    ويوصي رفيفان في رسالته الأولى بمنح خليل المدانات قرضاً بمبلغ 200 ليرة كونه «يقوم بالخدمات الصادقة والسعي الطيب. حباً بمنفعتكم ومصلحتكم» كما يؤكد على كفالته له مشيراً إلى أنه «من أكبر ملاكي المسيحيين بأراضي الكرك والغور والنجاد». أمَّا في الثانية فنجد رفيفان يوصي لابن أخته زعل المجالي بالمثل، ويكفله مشيراً له إلى أنه «من أكبر الملاكين بالغور وأراضي الربة» وأنه سيسدد دينه عن طريق رهن أراضيه أو بيعها إذا لزم ** .

    ** أ. ص. م. ملف 25/3515 النصوص الأصلية بالعربية .


    ومن الناحية الأخرى فقد أرسل زعل المجالي إلى "جناب الفاضل الخواجة موسى شرتوك المحترم حفظه الله" رسالة يوم 25/5/1933 م عرض فيها على الوكالة رهن أراضيه في غور المزرع أو بيع قسم منها. يقول زعل المجالي في رسالته :
    سلام وتحية واحترام. أعرض أنني صاحب أملاك واسعة بغور المزرع ومحتاج إلى مساعدة لأجل تعميرها إما بطريقة الرهن أو بيع قسماً منها .
    وقد كنت أود أن أتشرف عندكم بنفسي ألاَّ أن كثرة أشغالي تمنعني عن السفر. لذلك أحرر كتابي هذا إليكم مع خليل بك المدانات وحضرته ينوب عني على أن يتفق معكم بطريقة تكون موافقة لنا الطرفين. وإذا أمرتمَّ أن تشرفوا لغور المزرع لكي تشاهدوا أراضينا بأنفسكم وعندها نتمم الاتفاق بالطريقة التي ترغبوها .. هذا ما لزم وبالختام تفضلوا بقبول تحياتي واحتراماتي سيدي ** .

    ** أ. ص. م. ملف س. 25/3515 بالعربية .


    وقبل ذلك بحوالي خمسة أشهر في 27/12/1932 م أرسل حمد بن جازي "شيخ مشايخ الحويطات" رسالة مماثلة "إلى حضرة الخواجة موسى سكرتير الرئيس المحترم" يقول فيها :
    بعد أهداك ؟ وافر تحياتي القلبية . أبدي ؟ قبل أن يكون بيننا عرف أقدِّم لحضرتكم هذه الرسالة مع صديقنا خليل بك المدانات الذي شوقنا لزيارتكم لأجل تبادل المعرفة والصداقة. لذلك أنا يوجد عندي شغل ضروري أتوجه إلى عمَّان لأجله. وقد فوَّضت خليل إلى مقابلتكم لكي يتكلم معكم بخصوص نيتنا نحوكم وإنشاء الله بعد عودته إلينا نكون جاهزين للسفر بحسب الوقت الذي تخصصوه لنا أن نكون به عندكم. وكيف لا يكون هذا ما دام الواسطة بيننا وبينكم أعز أصدقائي خليل الذي تفضل علينا وغمرنا بفضله وسهل لنا أمر السفر لأهلنا وهذا على حسابكم ونحن الآن رهن الأمر منكم .. وبالختام تفضلوا فايق الاحترام ** .

    ** أ. ص. م. ملف ص. 25/3489 بالعربية .


    وقائمة الشيوخ الذين كتبوا مثل هذه الرسائل طويلة . لذلك نكتفي هنا بإيراد الفقرة الهامة التالية من الرسالة التي بعث بها متري باشا زريقات إلى "سعادة الخواجة موسى سكرتير الرياسة الصهيونية المحترم" يوم 5/6/1933 م والتي يقترح فيها مجالات جديدة للتعاون مع الوكالة اليهودية :
    تحية طيبة مشفوعة بأبلغ الاحترام والشوق لرؤيتكم . عزيزي، إنكم تعلمون ولا ريب أنني كنت أول من انبرى للدفاع عن رغايبكم المشروعة في المجلس التشريعي لرد كيد الخصوم في نحورهم، وبعونه تعالى وفقنا إلى إحباط عملهم ذاك الذي يرمي إلى وضع الحواجز في سبيلكم صداً لكم عن غايتكم وغرضكم النبيل الذي لا يرمي ألاَّ إلى إحياء البلاد وغوث العباد. ولا غرو فإن مشاريعكم في فلسطين لأكبر مروج لدعايتكم ومؤيد لقضيتكم التي هي جل ما نتمنى وغاية ما نريد. والآن فإني موفد شقيقي سلامة لكي يفهمكم ما حدث ومزمع أن يحدث حيث أولاً كنت مرسل لكم مكاتيب من الكرك مع أحد أولاد العم ورجع دون تسليمهم لكم والآن أعيد أحد المكاتيب ذاته للخواجة أبو أسحق والثاني أكتبه مع الأخ وتروني أراقب جوابكم أو كلامه مع الأخ حتى أقف على رأيكم في الموقف حتى إذا كان من الممكن لدى الرياسة تأسيس بنك عقاري برأسمال كبير عندنا نسعى إلى ذلك بكل وسيلة ممكنة لأني وشهد الله، أعطف على مصلحتكم كواحد منكم وأني من الصميم أود أن أراكم بين ظهرانينا ** .

    ** أ. ص. م. ملف س. 25/3525 بالعربية .


    غير أن أهمية ارتباط شيوخ العشائر بالوكالة تتبع في الأساس من وزنهم السياسي داخل وعلى خلفية تركيبتها الاجتماعية في تلك الفترة. الأمر الذي يفسر التأثير الخطير الذي كان لذلك الارتباط على تطور الإمارة السياسي وعلى الدور الذي لعبته زعامتها في إطار تحالفها مع الحركة الصهيونية إن كان على المستوى الداخلي للموقف من مسألة الهجرة اليهودية إلى شرقي الأردن أو على مستوى تطور القضية الفلسطينية ذاتها. ولعل ت. د. كان يشير إلى هذه الخطورة حينما نبّه الزعامة الصهيونية إلى كون مثقال الفايز المفتاح الهام للتحرك الصهيوني داخل شرقي الأردن. ومما يوضح هذا البعد السياسي الخطير لارتباط مثقال بالوكالة هو ما جاء في تقرير أهرون كوهين حول الزيارة إلى عمَّان أيام (16-18/1/1933 م). هنا يذكر كوهين أن مثقالاً زاره في فندقه في عمَّان مساء (16/1/1933 م) وأخبره أن بعض وجوه شرقي الأردن قد خرجوا لتِّوُهم من عنده وأنهم عبَّروا في حديثهم معه عن تأييدهم الكامل لفكرة دخول اليهود إلى شرقي الأردن. وهؤلاء هم: سلطان باشا العدوان (غور السلطان) .
    وراشد باشا الخزاعي (عجلون) وسالم باشا الهنداوي (عجلون) ورفيفان باشا المجالي (الكرك) وفلاح باشا البركات (الرمثا) وسعيد باشا أبو جابر (السلط) وعيسى قعوار (السلط) وأبو يوسف السكر (السلط) ** .

    ** أ. ص. م ملف س. 25/6313 ص 3 بالعبرية .


    كما ينقل كوهين الملخص التالي للحديث الذي سمعه في بيت مثقال مساء 17/1/1933 م والذي شارك فيه كل من مثقال نفسه ومحمد بك المحسن (حاكم لواء عجلون) وسعيد بك المفتي (ممثل الطائفة الشركسية في المجلس التشريعي) والشيخ موسى خليفة (المعي العام في السلط) وتوفيق بك الجنداوي من كبار ملاكي الأراضي في مأدبا :
    حمد الحسن (لمثقال) : هل "جماعتك" في القدس جادّون ؟
    مثقال: أقسم بأنهم مخلصون وأنهم يريدون مصلحتنا .
    توفيق الجنداوي : هل حاولت طرقاً أخرى ؟
    مثقال : لقد تحدثت إلى المجلس الإسلامي وإلى البنك العربي ومؤسسات أخرى، كلهم يتحدثون عن الوطنية ولكنهم غير مستعدين للقيام بأي عمل .
    توفيق الجنداوي : ما هي قيمة وطنيتهم ؟
    سعيد المفتي : هنالك يهود في سورية والعراق ومصر، فلماذا إذاً لا يأتي اليهود إلى شرقي الأردن أيضاً ؟
    محمد المحسن : ومع ذلك يجب أن ألاَّ ننسى أن لليهود مطامع دينية وأخرى في فلسطين .
    سعيد المفتي : منذ القدم واليهود يصلُّون بالقرب من حائط المبكى .
    الشيخ موسى : أقسم أن النزاع بين اليهود والمسلمين هو من دسائس النصارى .
    توفيق الجنداوي : أقترح حل المشكلة بنقل يهود فلسطين إلى شرقي الأردن .
    سعيد المفتي : هل هنالك أية اتفاقية بين الأمير واليهود ؟
    توفيق الجنداوي : سمعنا أنه أجّر أراضي غور الكبد لليهود مقابل 2000 ليرة في السنة .
    مثقال: هل هذه جريمة ؟ لماذا يجب أن تبقى الأرض معطلة ؟
    سعيد المفتي : إذا توصلنا إلى اتفاق مع اليهود ستقوم ضدنا ضجة في شرقي الأردن .
    توفيق الجنداوي : لا تستهين بهم. لقد ذهبت اليوم إلى اجتماع لحزب الاستقلال حيث أسمعت خطابات معادية للأمير من قبل عادل العظمة وحسين الطراونة وآخرين .
    محمد المحسن : أن وضع الأمير صعب الآن .
    مثقال : سنتمكن بمجهود بسيط من دحر هذه العصابة .. نحن نعلم من هم .. إنهم يبذِّرون أموالهم في القمار ولعب الورق ولا يستطيعون قيادة الجمهور" .
    وعلى خلفية هذه المحادثة يبرز أحد الجوانب الهامة في نشاط مثقال ليس دفاعاً عن ارتباط الأمير بالوكالة فحسب بل ومحاربة المعارضة الوطنية الشرق أردنية وتحضير الرأي العام لإمكانية النشاط الاستيطاني الصهيوني في شرق الأردن أيضاً. ويضيف أهرون كوهين في نهاية تقريره :
    "قبل أن أترك مثقال تحدث إليّ مرة أخرى عن الحاجة في عقد مؤتمر لشيوخ العشائر والزعماء ... وقد عرض عليّ قائمة بأسماء الذين ينوي دعوتهم" .
    وكان مثقال قد أكد له في لقائهم الأول على أن الأمير يؤيده في فكرة الدعوة إلى مثل ذلك المؤتمر .
    ولم يتأخر مثقال عن عقد المؤتمر الذي جاء لدعم الأمير في تحديه للرأي العام الوطني ومنحه التأييد اللازم في ارتباطه بالحركة الصهيونية كما سنرى. وعقب انعقاد المؤتمر كتب مثقال في 3/2/1933 م كتاباً "إلى حضرة الصديق الدكتور أرلوزوروف رئيس الوكالة اليهودية المحترم" يقول فيه :
    «بعد السؤال عن خاطركم العزيز، أود إعلامكم أنني عقدت اليوم مؤتمراً في بيتي الخاص في عمَّان حضره الكثير من الوجهاء وأكثر أعضاء المجلس التشريعي، وقد قمنا بالإبراق لسمو الأمير ولسعادة المندوب السامي في القدس في طلب عاجل للقيام بنشاطات تطويرية نحن بحاجة إليها ... لذلك أخبركم أنه تمَّ تسهيل أمرنا والجميع يؤيدننا وما احتجنا إليه من مصاريف البرقيات والسيارات قمنا بالإيفاء به على الرغم من أن ذلك قد أخر من عملي الشخصي لأن الوقت مناسب ... لذلك قمت بما أستطيع في الوقت الحاضر، وبقي علينا أن ندعو أهالي جبل عجلون والكرك ومعان وقضاء مأدبا لدعم المطالب التي وردت في برقياتنا، وذلك معلوم. أخبرونا عن رأيكم في ما يجب عمله لأن المناسبة مواتية من جانب ما يريده المواطنون ... أرفق بهذا طيه رسالة للسيد خانكين أرجو إيصالها له. سلامي إلى الأخوة السيد موشه والسيد هارون .

    مثقال الفايز
    التحرير : محمد خالد
    ** .

    ** أ. ص. م. ملف س. 25/3491 - عن الترجمة العبرية


    ويظهر بوضوح من خلال تلك البرقية كيف أن تمهيد اليهود إلى شرقي الأردن تمَّ تحت ستار الاحتجاج على الضائقة التي تعاني منها البلاد والمطالبة بإتاحة النشاط الاستيطاني الصهيوني على الأرض باعتباره يؤدي إلى إنعاش الإمارة. وقد وقَّع على هذه البرقية "واحد وعشرون من الشيوخ ورؤساء العشائر البدوية ومن بينهم أعضاء في المجلس التشريعي" وهذا نصها :
    إلى سمو الأمير عبد الله :
    إلى دولة المندوب السامي لشرقي الأردن ،
    إن الشعب الشرق أردني الذي أقمتم له الأسس القومية يرى في استمرار المطالبة بالديون القديمة وحظر بيع الأموال غير المنقولة سوى عن طريق البنك الزراعي والوقوف في وجه محاولة البحث عن رؤوس الأموال في حين تعاني البلاد من ضائقة خانقة، ما يدفعه إلى الإيمان بوجود سياسة جديدة تهدف إلى هدم أركانه وإبادته. لذلك فإنه يستحث سموه في طلب المساعدة ويرجوه في إنقاذ البلاد بالوسائل ومشاريع التطوير التي ترونها مناسبة ** .

    ** أ. ص. م. ملف س. 25/3491 عن الترجمة العبرية .


    ولعل أهم ما في هذه البرقية هو أنها شكَّلت مؤشراً ليس فقط لبلورة أحد مراكز القوى السياسية الحاسمة داخل الإمارة التي أيدت النشاط الصهيوني هناك فحسب بل إنها جاءت كمحاولة لتنظيم حشد مضاد لنشاط الحركة الوطنية التي ضغطت على الأمير عبد الله بهدف دفعه إلى العدول عن تأجير أراضيه للوكالة اليهودية في تلك الفترة كما سنرى. ومن هنا أيضاً أهمية كون أكثر الموقِّعين على هذه البرقية أعضاء في المجلس التشريعي ... وكانت قمة النشاط الذي قام به هؤلاء حين التقوا يوم 8/4/1933 م بزعامة الحركة الصهيونية في فندق الملك داوود ... وقد اشترك عن الجانب الصهيوني في ذلك الاجتماع كل من د. حاييم وايزمان وحاييم أرلوزوروف وعمانوئيل نيومان وهكستر وبيرجسون وبن تسفي والمليح وشبيرا وشرتوك وأهرون كوهين. أمَّا عن الجانب الأردني فقد اشترك كل من مثقال باشا الفايز (زعيم بني صخر) وراشد باشا الخزاعي (شيخ مشايخ جبل عجلون) ومتري باشا زريقات (زعيم الطائفة المسيحية في موآب) وسالم باشا أبو الغنم (شيخ مشايخ لواء البلقاء) وشمس الدين بك سامي (زعيم الطائفة الشركسية) ومجد أبو خالد (سكرتير مثقال باشا) ... ويشير بروتوكول الكلمات التي ألقيت في هذا الاجتماع إلى كون جميع المشتركين عن الجانب الشرق أردني أعضاء في المجلس التشريعي .. كما أجمع هؤلاء على «ضرورة التعاون المشترك بقيادة كل من الأمير عبد الله والدكتور وايزمان بما فيه مصلحة البلدين، وعلى الرغم من المحرضين الذين يسمُّون أنفسهم بالقيادة (القومية) ** .

    ** أ. ص. م. ملف س. 25/3510 بالعبرية .


    ولم تتوقف خطورة بروز هذه المجموعة كمركز قوة حاسم لشل نشاط العناصر الوطنية داخل المجلس التشريعي فحسب بل أنها تعدت ذلك حينما أخذت تنظم نفسها في إطار أحزاب سياسية تموِّلها الوكالة اليهودية وتعمل بتنسيق تام معها خاصة في كل ما يتعلق بالتصدي لحملة الوطنيين الإعلامية ضد لقاء فندق الملك داوود المذكور ... وأحد هذه الأحزاب هو "حزب التضامن الأردني" الذي تمَّ تأسيسه في 24/3/1933 م والذي نص البند الأول من نظامه الأساسي على "الإخلاص لسمو أمير البلاد المعظم وأعقابه من بعده" .
    النسخة الأصلية للنظام الأساسي مرفقة في طية ملف س. 25/3491 .
    كما وردت الإشارة إلى هذا الحزب والآمال التي علقتها الوكالة اليهودية عليه في رسالة شرتوك إلى أرلوزوروف يوم 27/4/1933 م .
    يقول شرتوك :
    "لقد حدث ما خشيناه .. جاء أبو خالد اليوم وحدثنا عن قضية كاملة .. منذ حفلة "الملك داوود" والضجة تتزايد. الاستقلاليون (الوطنيون) نشيطون جداً. لقد أحضروا الأموال من فلسطين ووزعوها في عمَّان والسلط ونظَّموا "مسيرة" من أهالي السلط وعمّان، وينوون تنظيم مظاهرة - باختصار، الحركة نشطة .. الهجوم في الصحف لا يتوقف. والشخصيات التي اشتركت في الاحتفال (في فندق الملك داوود) تشكل هدفاً للطعن ... أمور حزب "التضامن" الذي أسسه جماعتنا تسير ببطء، وهنالك حاجة في المساعدة من أجل تنشيطها. يطلب إليك مثقال أن تعين له مقابلة يقوم فيها بطرح برنامجه. أخبرته بسفرك واقترحت أن نرسل إليهم أهرون ليستوضح أمر البرنامج. بعدها نستطيع أن نبحث فيما إذا كان بإمكاننا عمل أي شيء أو الاتصال بخارج البلاد وانتظار الرد. لقد رفض أبو خالد هذا الاقتراح - هم يخشون من كون التعرض لأهرون (من قبل الوطنيين) سيجرهم بالضرورة إلى الرد جسدياً. اقترحت عليه أن نلتقي في أريحا ، فسافر لاستطلاع الجواب .
    من الواضح أننا سنقف أمام هجمة مالية جديدة. وهذه المرة ليس من قبل مثقال وحده، بل من قبل أصدقائه أيضاً .. أنت تعرف أوضاع الخزنة. سأحاول التحدث إلى بنحاس بهذا الخصوص. غير أني أشك فيما إذا كان سيقدم أي شيء. يجب قطعاً أن تحاول تجنيد مصادر مالية أخرى خلال وجودك في الخارج" ** .

    ** أ. ص. م ملف س. 25/3515 بالعبرية .


    والظاهر أن "برنامج" مثقال وغيره من الشيوخ تلخّص في عقد مؤتمرات مضادة لمؤتمرات الاحتجاج الوطني على سياسة الأمير ولقاء فندق الملك داوود. غير أن رسائل مثقال إلى زعماء الوكالة اليهودية في هذه الفترة لا تخلو من الخوف والحذر تجاه تزايد المعارضة الوطنية لسياسة التحالف المكشوف مع أهداف ومصالح الحركة الصهيونية لذلك النشاط المضاد. وذلك يتضح على الأقل من خلال الرسالة التالية التي بعث بها مثقال إلى "حضرة الأخ الخواجة موسى شرتوك المحترم" يوم (4/6/1933 م) يقول مثقال :
    "عقب سؤال خاطركم الكريم أعرض أولاً سؤال خاطركم عساكم بخير وعافية. أعرفكم أن الاجتماع عقد ولله الحمد غايته مأمولة .. يسرني أن أخبركم أننا توقفنا لمسعى حسن تفهمونه شفاهياً من محمد خالد من عمَّان لأننا لا نستطيع الكتابة يا موشي. عزيزي، نحن موقفنا حرج لا سيما على أثر الاجتماع. لزومنا المساعدة من حضرتكم بأي واسطة كانت، حيث أننا تضايقنا جداً وارتكبنا الدين في دعوة هذا الاجتماع. راجياً أن تنقلوا سلامي إلى الأخ هارون. أعرفكم أيها الصديق أن أبو خالد أوصيته على مقابلة وكيل الرئيس وتسليمه الكتاب وأنتمَّ كما تعهدوننا ولا يوجد خفي عليكم شيء. المرجو ضرب موعد لأجل أن نحضر نحن وشمس الدين بك سامي للمفاوضة بشأن العمل الجدّي. الاجتماع عيّنوه بغير القدس، في مستعمرة أو محل ما تشاؤه أنتم. أنبه فكر حضرتكم من الآن فصاعداً أن لا تفاوضوا إنسان مهما كان باسمنا. أيضاً أرجو حضرة الخواجة هارون أن لا يبوح لإنسان مهما كان، حيث أكثر رجالنا الذين نعتمد عليهم هم الذين يبوحوا بالأسرار ** .

    ** أ. ص. م ملف س. 25/3491 بالعربية .


    وقد تضاعف نشاط مثقال عقب انعقاد "المؤتمر الشرق أردني" في 7/6/1933 م الذي اتخذ سلسلة من قرارات الاحتجاج على سياسة التعاون مع الوكالة اليهودية. ويقول أهرون كوهين في تقريره "معلومات من شرقي الأردن" :
    "في السابع من الشهر الجاري حزيران 1933 م ذهب عادل العظمة وصبحي أبو غنيمة وحسين الطراونة ومعهم مجموعة من الأشخاص إلى الأمير ورفعوا له قرارات المؤتمر الشرق أردني وطلبوا مساندته. وكان ردّ الأمير أن بعض القرارات غير متعلقة لذلك فلا يستطيع مساعدتهم لأن الحكومة البريطانية من الممكن أن تشك في كون هذه القرارات قد اتخذت بوحي منه. وأعلمهم الأمير أيضاً أن ليس في مقدرو حكومته مساعدتهم على تنفيذ تلك القرارات لأن فيها نقاط سوداء جداً ستؤدي إلى إثارة رجالات بريطانيا في شرقي الأردن ضدها بشدة .
    ويقوم مثقال بالتحضير لعقد مؤتمر كبير في الثلاثين من الشهر الجاري. وقد توصَّل الكثير من الزعماء (من شيوخ شرقي الأردن) إلى اتفاق معه، مما يبعث على التفكير بأن المؤتمر سيكون ذا وزن هام يضرب الجانب (الوطني) المعادي بشكل حاسم" ** .

    ** أ.ص. م. ملف س. 25/3501 بالعبرية .