شيوخ العشائر كانوا السباقين

حتى بدايات الثلاثينات من القرن العشرين وفق الوثائق المتوفرة حتى اليوم يمكن القول أن علاقة الحركة الصهيونيه في العشرينيات من القرن العشرين كانت تعتمد اسلوب المراقبة والترقب ولم يزد عن كونه إهتماما عاما بمجريات الأمور كما أن هذه العلاقة بين رجالات الوكالة اليهودية من ناحية وبين الأمير عبد الله وشويخ العشائر من جهة أخرى بقيت محصورة في نطاق الإتصالات المتفرقة وغير الرسميه لكننا نستطيع التأكيد بأن إتصالات متفرقة من هذا النوع قد تمت بالفعل ودليلنا على ذلك ما جاء من الإشارة إليها والإعتراف بقيامها في كتاب بعث به الأمير عبد الله إلى موسى شرتوك (( رئيس الدائرة السياسيه في الوكالة اليهودية إبان تلك الفترة )) وتاريخ الكتاب هو 1_7_ 1937 حيث جاء في هذه الرسالة (( لقد قلت كلمة عام 1922 في حيفا لأحد زعماء الحركة الصهيونية بأنه كان يجب على ساسة اليهود أن يطرقوا الباب ولا أن يدخلوا من الشباك لأن ذلك أجدر )) - من الأرشيف الصهيوني المركزي ملف رقم - س 025| 3504 بالعربيه - . هذا وكانت تلك الإتصالات المتفرقه تتم خارج سياسة مدروسة أو واضحه من جانب الوكالة اليهودية بل يمكننا القول أن تلك الفترة شهدت بروز المقومات الأساسيه التي قامت عليها (( العلاقة الوطيدة )) بين الصهيونيه وبين الأمير عبد الله والتي حولتها تدريجيا إلى أحد أهم العوامل الحاسمه في تطور ومجريات القضية الفلسطينيه . وقد حدث هذا التطور بفعل عاملين أساسيين هما أولا : موجة الجفاف التي إجتاحت شرق الأردن في أواخر العشرينات وأوائل الثلاثينات من القرن العشرين والتي دفعت بعدد من شيوخ العشائر وأصحاب الأراضي وفي مقدمتهم الأمير عبد الله نفسه إلى التوجه للوكالة اليهودية بحثا عن إستثمار االمال والخبرة الصهيونيه في أراضيهم والعامل الثاني : تزايد الهجرة اليهودية إلى فلسطين في أعقاب صعود الفاشيه الأوروبيه الأمر الذي دفع بالوكالة اليهودية للتفكير في توسيع نشاطها الإستيطاني شرق النهر . وقد شجع الأمير عبد الله على الإنخراط في التوافق مع ركب الوكالة اليهودية ظاهرة إرتباط شيوخ العشائر مصلحيا بالوكالة وشكل له ذلك أرضية مواتية للبدء في توثيق علاقاته السياسيه بزعامة الحركة الصهيونية وقد أغراه بتوثيق تلك العلاقات أن اليهود بفعل تزايد أعدادهم أصبحوا هم أنفسهم عاملا سياسيا مؤثرا في فلسطين مما جعل الأمير يعتقد بأن تنمية تلك العلاقات يخدم طموحاته السياسيه في ضم فلسطين إلى أمارته الجرداء ومن هذا المنطلق حاول إقناع سلطات الإنتداب البريطاني بأن توحيد فلسطين وشرق الأردن تحت سلطته هو الإمكانية الوحيدة لحل المشكلة الفلسطينيه ومن الناحية الأخرى فقد هدف من وراء ذلك إلى إقناع زعماء اليهود بأن وحده من هذا النوع ستكفل لهم موافقه عربيه شامله على نشاطهم الإستيطاني وهو الأمر الذي انطوى في حينه على تعهد الأمير بوضع حد لمقاومة عرب فلسطين لذلك النشاط بل وفتح أراضي شرق الأردن نفسها لهذا الإستيطان . وهنا تظهر أولى بوادر التهيئة لطعن حركات المقاومة الفلسطينيه والإستعداد لإجهاضها كما حصل بين عام 1936 وبين 1939 وبالعودة إلى بدايات الإتصالات المبكره مع شيوخ عشائر شرق الأردن بالوكالة اليهودية والتي سعوا خلالها لبيع أو رهن أراضيهم لليهود لأسباب إقتصادية كما شرح ذلك ناحوم بببر مبعوث خاص للدائرة الموحدة في الوكالة الذي زار شرق الأردن في صيف وخريف عام 1930 وقابل خلالها كلا من رئيس وزراء الأمارة حسن الخالد وأيضا وزير العدل ابراهيم هاشم وفي تقريره عن الزياره وعن أجتماعه بوزير العدل في 10 - 8- 1930 يقول (( أن وزير العدل يؤيد دخول اليهود إلى الأمارة وأفهمه أن الأوضاع في فلسطين تنعكس بشكل غير مباشر على شرق الأردن وتؤثر فيها مما يحتم أخذ ذلك بعين الإعتبار )) _ من مجموعة تقارير الدائرة السياسيه عن الوضع في شرق الأردن حتى عام 1932 ... ملف رقم س 25- 3486 باللغة العبريه - وهنالك تقريران لناتان كابلان (( بالإنجليزيه )) ولابراهام شابيرا - ميخو (( بالعبريه )) عن زيارة قام بها لمستعمرة بتاح تكفا كل من رفيفان باشا المجالي وحسين باشا الطراونه وصالح باشا من الطفيله ونفهم من هذين التقريرين أن الزيارة تمت أثناء إنعقاد المؤتمر الإسلامي في القدس في الفترة الواقعة بين 7-18 \ 12\ 1931 والذي شارك الشيوخ الثلاثه فيه فقد جاء في التقريرن أن ابراهام جودال تعرف على الثلاثه عن طريق صديق لهم كان يسكن في الكرك شرق الأردن إبان الحرب العالميه الأولى وأنه أخذهم بدوره لزيارة أبراهام شابيرا في مستعمرة بتاح تكفا ويقدم كابلان الضيوف على أن رفيفان باشا المجالي هو زعيم الحزب الحكومي في المجلس التشريعي في شرق الأردن وأما حسين باشا الطراونه فكان زعيم المعارضه ويضيف كابلان ساخرا هازئا (( وقد جاءت هذه الزيارة في صبيحة اليوم الثاني للمؤتمر الإسلامي حيث أقسم المؤتمرون على تكريس حياتهم لمقاومة الحركة الصهيونيه في جميع البلدان الإسلاميه وقد إنضم شيوخ العربان إلى المؤتمرين في أداء القسم وكان رفيفان المجالي وحسين الطراونه قد أقسما اليمين وسيفاهما مسلولان . وما أن أطل اليوم الثاني حتى قاما بزيارة مستعمرة بتاح تكفا )) - من تقرير كابلان ا . ص . م ملف رقم ا 264 \ 18 بلإنجليزيه - أما ابرهام شابيرا فيروي في تقريره عن دعوته لهم بعد زيارتهم الأولى له بأسبوع لتناول العشاء عنده وأنه إصطحبهم لزيارة البيارات بهدف إقناعهم بضرورة التعايش السلمي بين اليهود والعرب في البلاد ويصف شابيرا مدى الأثر الذي تركه في نفوسهم بعد أن أوضح لهم أن بيارته التي تبلغ مساحتها 500 دونم تدر مدخولا صافيا يقدر ب عشرة آلاف ليره بينما أراضي رفيفان التي تبلغ مساحتها 15 الف دونم لا تدر سوى 200 إلى 300 ليرى سنويا ويقول أن رفيفان باشا قال له إثر ذلك : لماذا لا تأتون إلينا .. أراضينا خصبه وعندنا ينابيع وافره . تعالوا إلينا وسنعطيكم كواشين الأرض ونقيم معكم شراكه ..... فرد عليه شابيرا مستدرجا : كيف لنا ذالك ما دامت قوانين بلادكم تمنع اليهود من الدخول إليكم !! أجابه رفيفان باشا : نحن الذين صنعنا القوانيين وبإمكاننا تغييرها - تقرير شابيرا بالعبريه ملف س 25\ 3489 - وأول نتائج هذه الزيارة كما يروي كابلان كيف أن جودال أعادهم إلى القدس وسهروا في مقهى جراند حتى منتصف الليل ولم يتمكنوا من حضور الجلسة الختاميه للمؤتمر الإسلامي . يتبع